يوم توجّه قسم من الشعب اللبناني، المقيم والمغترب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب من أطلق عليهم نواب الثورة، ظنوا أنهم انتخبوا نهاية زمن تدوير الزوايا والمهادنة مع الدويلة.
وأخيراً، أكد النواب التغييريون ما كان يخشاه الكثيرون. فبوضعهم مواصفات رئيس الجمهورية أوضحوا الكثير مما كان يشوبه الغموض حول أهدافهم وانتماءاتهم العقائدية والإيديولوجية التي لم تكن واضحة في الأشهر الأولى قبل الانتخابات، والتي أثارت أسئلة أكثر مما أعطت إجابات حول تطلعاتهم للرئاسة الأولى. فعلى عكس موقف «القوات اللبنانية“ والقوى السيادية المُطالب برئيس مواجهة، واضح الرؤية حول حصرية السلاح بيد الدولة وإعادة بنائها وضبط مصادر مواردها ولجم الفساد، أتى غموض مواصفات التغييريين بعيداً كل البعد عن تطلعات الثوار والمواطنين المحبطين الذين لا يريدون أن يساوم أحد بالسياسة على حسابهم.
من المواصفات الأساسية التي وضعوها لرئيس الجمهورية يمكن استخلاص التالي، وهنا يطرح معارضون بعض الأسئلة من باب الاستيضاح والتأكيد:
– أولاً، طالبوا برئيس يدافع عن القضية الفلسطينية. فماذا عن القضية اللبنانية أولاً؟ هل كلامهم لتطمين من اتخذ من القضية الفلسطينية سبباً لتنفيذ الأجندة الإيرانية في شرق المتوسط وتصدير الثورة الإسلامية إلى لبنان؟
-ثانياً، مطالبتهم برئيس سيادي داخلياً وخارجياً. فما هو المقصود؟ إذا كانت حصرية السلاح مع السلطات الشرعية فلماذا لا يقولون ذلك بوضوح؟ فـ»حزب الله» يعتبر نفسه مدافعاً عن السيادة اللبنانية ضد أعدائها في الخارج وأعدائه في الداخل.
– ثالثاً، رئيس من خارج الاصطفافات؟ فما هي الاصطفافات المقصودة؟ هل يعني ذلك أن يكون رئيساً لا هو ضد السلاح ولا هو معه؟ ليس حزبياً؟ فالاصطفافات اليوم معروفة، إما ضد السلاح الخارج عن الشرعية أو معه، ضد هيمنة الأجندات الخارجية أو معها. فهل هناك موقع آخر في منتصف الطريق؟ وهل هذا الموقع هو الذي طالبت به الثورة؟
– رابعاً، رئيس يحافظ على أصول الدولة. هل هذا يعني أنكم تريدون رئيساً يُبقي على الاتصالات والكهرباء والمياه والمرافئ بتصرف السلطة السياسية تحت شعار ملكية الدولة لها باسم الشعب، ويستمر نهج التحاصص والفساد، لكن مع «تغيير» الوجوه؟ هل هذا يعني أنكم تريدون تحميل الخسائر ومفاعيل النهب للمودعين والمصارف بدل الدولة؟
هل هذا ما توقّعه الثوار ممن يقول إنه يمثلهم اليوم؟ وهل هذا فعلاً الطريق الصحيح للإصلاح والتعافي؟ وأي تموضع في الوسط، يخدم الأجندة الخارجة عن الشرعية والاستمرار بالأزمة؟
هل سيكون هذا التموضع بمثابة إعلان أن السياديين الفعليين في الثورة ليسوا من ضمن الـ 13 وهذه المجموعة تلتقي اقتصادياً مع مشروع «حزب الله» وسياسياً تغض النظر عن سلاحه. وهل أصبح هؤلاء من جماعة فن الممكن وتدوير الزوايا والتسويات مثلهم مثل من ثار اللبنانيون ضدهم؟ هل ما سنراه منهم في المستقبل أيضاً صراعات على السلطة وفساد في الممارسات باسم التغيير، كما حصل في التاريخ المعاصر؟