يواجه نواب «17 تشرين» رزمة تحديات صعبة، قد تُفَرَّغ هذه التجربة من مضمونها اذا ما فشلوا في تجاوز هذه الصعوبات، أو قد تفتح الطريق أمام انضمام سرب جديد من النواب «التغييريين» في الدورة المقبلة في حال نجحوا في عبور معمودية النار.
بهذا المعنى، يوضَع هؤلاء النواب تحت المجهر اليومي. الرأي العام كما القوى السياسية التقليدية، والجيوش الالكترونية، الجميع يراقب أداء النواب الجدد في كل لحظة وعند أي موقف. يتمّ التعامل معهم بمنطق «أنصاف الآلهة» الذين يحظّر عليهم ارتكاب أي خطأ أو غلط. فيما هم، يعانون من إرباك واضح وجلي للعلن، وتحديداً في كيفية التعامل مع الاستحقاقات السياسية: هل يخوضون غمار التعاون مع أي من القوى السياسية الأخرى؟ أم يفترض بهم أن يحافظوا على «نقائهم» السياسي؟ هل ينجرون إلى الألعاب التقليدية في التحالفات والتفاهمات لكي ينجزوا في دورهم؟ أم يكتفون بتسجيل الموقف وإطلاق الصوت العالي في البرلمان؟
كل هذه الأسئلة تطرح يومياً على طاولات النقاش التي تجمع هؤلاء في محاولة منهم لوضع استراتيجية موحّدة للسنوات الأربع المقبلة تساعدهم على إنجاح هذه التجربة التي بيّنت صناديق الاقتراع، أنّ لديها أرضية تأييد بين الناس، وكان بإمكانها أن تكون أكثر حضوراً بين الناخبين في ما لو توحّدت لوائح التغيير في كلّ الدوائر الانتخابية، وتجنّبت التحالفات الانتخابية مع قوى تقليدية حتى لو كانت من قماشة المعارضة.
أقلّه، هذه وجهة نظر مجموعة «نحو الوطن» التي عملت خلال الاستحقاق الماضي على دعم أكثر من عشر لوائح انتخابية «تغييرية». يؤكد مسؤولون في هذه المجموعة أنّ الخلاف حول الاستراتيجية الانتخابية كان السبب الأساس وراء الامتناع عن حصول عملية الدمج مع مجموعة «كلنا إرادة»، خلافاً للرواية التي تقدمها المجموعة الأخيرة، مشيرين إلى أنّ العضوين المؤسسين لمجموعة «نحو الوطن»، أي رندلى بيضون وعلي عبد اللطيف لم يوافقا على عملية الدمج بسبب رفضهما مبدأ التحالف مع قوى غير تغييرية، والذي كانت تصرّ عليه «كلنا إرادة»… وقد أظهرت نتائج الانتخابات صحة وجهة نظر «نحو الوطن» بحيث أنّ اللوائح التي لم تضمّ إلا مرشحين تغييريين هي التي حققت أفضل النتائج لكونها لاقت تأييداً من الناخبين، على عكس اللوائح «الملونة».
وفق هؤلاء، فإنّ هذا التباين إزاء الاستراتيجية الانتخابية وكيفية خوض الاستحقاق، هو الذي حال دون حصول عملية الدمج، واستمرت «نحو الوطن» في عملها المستقل من خلال دعم لوائح، لا مرشحين فقط، في أكثر من عشر دوائر، فيما بيّنت التطورات أنّ الهدف المخفي من الدمج هو السماح لبعض الشخصيات التقليدية أو لنقل غير الجديدة، وبعض الأحزاب، وتحديداً الكتائب، التسلل إلى اللوائح «التغييرية»، لا بل يتردد أنّ تقديرات بعض المسؤولين في «كلنا إرادة» كانت تشير إلى أنّ حظوظ المرشحين التغييريين تكاد تكون معدومة ولهذا لا بدّ من الاتكال على شخصيات وأحزاب ذات تجربة سياسية ليكونوا دينامو التغيير فيما يكون المرشحون الجدد، بمثابة «حبة الكرز» التي تزيّن قالب الحلوى.
ويلفتون إلى أنّ «نحو الوطن» قدمت دعماً لوجستياً ومادياً للوائح التغييرية، سواء من خلال مكاتب المجموعة، الموزعة في المناطق والتي كانت أشبه بماكينات انتخابية وضعت تحت تصرف اللوائح، أو من خلال الدراسات الاحصائية التي ساعدت اللوائح في معاركها، أو من خلال وضع استراتيجية سياسية واعلامية… حيث تخطى عدد أعضاء فريق العمل الخاص بالمجموعة المئة شخص توزعوا على الدوائر المعنية.
ويؤكدون أنّ المجموعة كانت تطمح إلى جمع «التغييريين» في ائتلاف وطني عابر لكل الدوائر، يضمّ مرشحين جدداً، يقدمون خطاباً موحّداً، بعنوان واحد و»لون» واحد، مشيرين إلى أنّه لو تحقق هذا الهدف لكان عدد الفائزين تخطى العشرين وأكثر، لافتين إلى أنه رغم ذلك فإنّ تجربة استحقاق 2022 تستحق البناء عليها لتوسيع اطارها وتطويرها في استحقاق 2026.