IMLebanon

تغيير وجهة أوروبا

لامست التطوّرات المتسارعة كلّ الخطوط الحمر، لا بل تخطتها وكلها خطيرة بحدوثها ونتائجها خصوصاً على مستقبل القارة القديمة، لناحية تماسكها كقوة سياسية واقتصادية ولناحية تأثيرها على محيطها المتوسطي.

واللافت أنّ هذه التطوّرات تنوعت بين السياسي ذات الوجهة القانونية كما حدث مع بريطانيا التي اتخذت موقفاً سياسياً كبيراً تبلور في ما يحفظ القانون البريطاني للشعب من قدرة على التعبير بحدود واسعة، أو من جهة أخرى، ما شهدته فرنسا وبشكل متكرّر وفظيع من اعمال ارهابية جعلت

حال الطوارئ تُمدّد حتى نهاية 2017 خوفاً من أيِّ آتٍ أعظم على الصعيد الامني.

ثمّ أرخى الحدث التركي بثقله على وضعية تركيا الاستراتيجية وقدرتها على تحريك «محيطها» كما وعلى علاقاتها الغربية المهتزّة خصوصاً إذا ما عُدّل الموقف معيداً حكم الإعدام الى التطبيق، ممّا يعني طلاقاً أو تباعداً قانونياً وسياسياً مع أوروبا المتمسّكة بأهداب الدفاع عن حقوق الانسان.

أمّا الوضع الأوروبي في حرب الأمم الدائرة على الاراضي السورية، فهو وضعٌ هامشي غير مركزي وتأثيره معدوم على أرض الواقع، بعدما ترسّخت أكثر فأكثر معالم التسويات وإن سلبية حتّى الساعة بين أميركا وروسيا.

ولا يمكن أن نستنتج من تطوّرات تركيا موضوعاً داخلياً له انعكاساته على المحيط، ولكن المؤكد أنّ المسألة هنا تتعدّى هذا الإطار الى رسم خرائط جديدة ليس على المستوى التركي فحسب بل على نطاق أوسع يشمل دول الشرق الاوسط ولا سيما العربية منها.

والقول بالحدود هنا، لا يعني تغييراً بالحدود المعترَف بها دولياً وفق منطق القوانين الدولية المرعية الاجراء، بل تعديلاً في النفوذ المرسوم في السياسة الدولية.

فالأتراك بزعامة أردوغان، يحلمون بنفوذ موسّع وبتأمين «داخلهم»، وبالانضمام الى الاتحاد الاوروبي. ولكنّ المسألة الشائكة والتي تبرز تباعاً تتعلّق بمدى استمرار التأثير التركي على الدول المجاورة خصوصاً مع انحسار هذا الدور وبشكل جدّي في الازمة السورية، لا بل إنّ المنطق يشير في هذا السياق الى أنّ الأتراك سينتقلون من صفة المهدِّد في سوريا الى صفة المهدِّئ وفق الأجندة الروسية، إذ إنّ العلاقات مع روسيا ستفرض ذاتها وبقوة، والواقع السوري هو مجال الاختبار الأقرب والأسرع.

وهذا يعني أنّ تركيا الخارجة من شبه انقلاب ستقلِّب أوراقها وتضع موضوع الأكراد في مطلع الأولويات، وطبعاً بالتوازي مع تخلّيها النسبي أو الظاهري أو الوقتي عن طموحات كانت تعتبرها مشروعة كشريك استراتيجي في اللعبة الإقليمية الدولية وتجاه القضايا الشائكة.

كلّ التطوّرات تشير الى أنّ أوروبا الغارقة في معضلاتٍ اقتصادية، يعاني منها بعض الدول والمجتمعات فيها، تحاول أي أوروبا جاهدة احتواءَ تلك الأزمات ودفع أثمان باهظة في بعض الأحيان.

والإرهاب الذي يدقّ أبواب أوروبا، ألمانياً وفرنسياً، ليس وليد ساعته أو نتاج التطوّرات السورية او العراقية بل هو إشارة خطر حول تركيبة المجتمعات وضرورة التنبّه الى سلوكيات بعض الجماعات التي تُناقض مبادئ التعددية وفضائل الأديان وقيم القوانين الانسانية.

أوروبا اليوم تتحدّى ذاتها، إذ إنّ وجهتها العامة تحتاج إلى درس وبحث لإعادة تأكيد الأولويات الاستراتيجية التي تخدم شعوبها ودولها، والوضع الأوروبي المترنّح في سوريا والعراق بعدما لم تستطع الأجندة الأوروبية حتى بالتعاون مع أميركا أن تفرض أيّاً من شروطها.

هذا الوضع الأوروبي وسواه أضحى بحاجة ماسة الى إعادة قراءة موضوعية إن تجاه الشروع بانسحاب بعض الدول من الاتحاد ممّا يُهدّد قوته وتأثيره على أكثر من صعيد، وإن تجاه ما يمكن أن تؤول اليه الأوضاع والمواقف في تركيا بملايينها الثمانين وأيّ وجهة ستنحو الأمور نحوها.

وهل أوروبا المندّدة باستعمال القوة والمنادية بحقوق الانسان والعدالة قادرة على فرض هيبة أو تغيير ما في محيطها المتوسطي وفي علاقاتها مع الدول، أو هي مدعوّة الى تحديد الأولويات عندها وكيفية التعامل مع الأزمات المتجدّدة داخل القارة القديمة أو على ضفاف علاقاتها؟