Site icon IMLebanon

ورقة الإصلاح وتغيير الحكومة: إما على مزاج الناس أو الانفجار!

 

هل أفاقت السلطة من سباتها؟

لا. ما يتسرب من منازل كبار المسؤولين ومكاتبهم لا يبشر بالخير. النقاش حول الورقة الإصلاحية أمر، وطريقة تفكير المسؤولين وتخطيطهم أمر آخر. عملياً، ومن دون غش، وبكلام واضح ومباشر، ما يجري اليوم هو الآتي:

اتفق أركان السلطة على سلة خطوات يرمونها للناس للخروج من الشارع على أن يعودوا الى ألاعبيهم. لكنهم، يدرسون منذ الآن ــ وهذا كلام جدي جداً ــ كيفية الانتقام من الناس الذي خرجوا وندّدوا بهم وبحكمهم وفسادهم. وبحسب مقاصّة لجولة اتصالات مع غالبية القادة وحواشيهم، فإن هؤلاء، مثلما يلقون بالمسؤولية بعضهم على بعض ويستحضرون المؤامرة، يعتبرون أن انتقاد الناس لهم يعبّر عن فئة صغيرة من متضررين حاقدين ولا يمثل رأياً واسعاً في الشارع.

بصراحة شديدة، الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل يتهمان جماعات الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع بالوقوف خلف كل التهجّم عليهما. ويقولون إن ما يجري في الشارع لمصلحة خط رئيس الجمهورية، وإن النتيجة ستكون لمصلحة برنامجه للحكم.

الرئيس بري ومحيطه العائلي والحزبي يصرّون على أن ما حصل في أكثر من مكان، ولا سيما في الجنوب، انما هو فعل أقلية يقودها يساريون حاقدون، وأن الشيعة لا يزالون معهم. وفي مكان آخر، يهدّد مقرّبون من رئيس المجلس بأنه في حال لم يتعقل هؤلاء المدسوسون، فسنريهم حجمنا وعزمنا وقوتنا.

وليد جنبلاط يطلب إحصاء عدد الشتائم التي يتعرض لها في التظاهرات. ويعمل مقرّبون منه على توضيح أنه لم يصدر عن الدروز أي انتقادات للبيك، وأن مناطق الشوف وعالية وحاصبيا لم تشهد أي تحركات تعكس غضب الناس من زعامة المختارة. وهو يقول إنه لم يبدّل موقفه من ضرورة مغادرة الحكم، لكنه تعرض لتهديد علني من حزب الله، وهو لا يقوى على هذا التهديد. إلا أنه سيصرّ على تغييرات كبيرة.

سمير جعجع يتصرف على أنه قائد الثورة الكبيرة التي ستغيّر وجه التاريخ وليس وجه لبنان فقط، وأن حزبه فاز بقلوب المشاركين في التحركات، وسيفوز بعقولهم أيضاً، وسيقود أوسع معارضة تنهي خصومه في السلطة.

حزب الله يتصرف من موقع «آخر الوسطاء». وهو يميّز أن الناس لا تحمل عليه متهمة إياه بالفساد، لكنها تتهمه بالصمت عن الفاسدين. ومن جهة أخرى، لا يغيب نظره عن مساعي كثيرين في لبنان والخارج للنيل منه بسبب موقفه السياسي ودوره، وليس بسبب جوع الناس. لذلك، يفترض أن بقاء السلطات القائمة أفضل الشرور. لكنه لا يملك جواباً واضحاً حول ما يجب أن يتحقق لإرضاء الناس قبل الطلب اليهم العودة الى منازلهم.

أما سعد الحريري، فحاله هو الأصعب. من جهة، عادت به هذه الأحداث الى أيام احتجازه في الرياض. تذكّر مرارة الخيانة التي تعرض لها من حلفائه اللبنانيين. عاد ليتذكر جنبلاط وجعجع والكتائب وشخصيات 14 آذار التي تريد رأسه. وهي نفسها القوى التي تريد منه مغادرة الحكم الآن. وهو يعرف تمام المعرفة أنه في حال غادر رئاسة الحكومة اليوم، فسيجد نفسه بعد وقت قصير أمام انشقاقات في كتلته النيابية ثم في حزبه. ولن يمر وقت طويل، قبل أن يتحول سياسياً عادياً تلاحقه المصائب والملفات. وما أبقاه واقفاً على قدميه حتى الآن، هو موقف حزب الله داخلياً، وسماعه كلاماً مباشراًَ، أميركياً وفرنسياً وبريطانياً، بأن لا يستقيل.

 

الحراك مهدّد من الانتهازيين السياسيين ومن عسس السفارات والقوى الخارجية التي تريد استثماره

 

لكن، أين هي القوى الضاربة عند هؤلاء؟ أين الوزراء والنواب والمستشارون والمساعدون والمقرّبون والاعلاميون الذين كانوا، حتى الخميس الماضي، ينتشرون كالفطر في كل الأندية والتجمعات ووسائل الاعلام. من بلع ألسنتهم، ومن يمنعهم من ملاقاة الناس وسؤالهم عن مطالبهم؟ وأين دفاعهم عمّا تقوم به السلطة منذ ثلاثين سنة؟ لماذا لا نجد واحداً منهم على شاشة أو منبر أو على طريق أو في ساحة. هواتفهم مغلقة. وبيوتهم من دون إنارة. وأفراد عائلاتهم اختفوا من المشهد. وربما يكون هذا، وحده، من أبرز فضائل الحراك الشعبي.

حتى القوى الأمنية والعسكرية لها حصتها ممّا يجري. كيف يمكن لقوى الأمن أن تكون شديدة القوة وسط بيروت، ولا نراها تنظم السير في مناطق أخرى؟ وكيف للجيش أن يقمع شباناً وصبايا بالضرب المبرح والاعتقالات، بينما نرى الجنود يتفرجون على مسلحين ومرافقين وبلطجية في أكثر من مكان؟ وهل صحيح أن في قيادة هذه القوى من يتوهم أن الدعوات الساذجة الى حكومة عسكرية قابلة للتحقق؟ وهل بين هؤلاء من يريد أيضاً تصفية حساباته مع السياسيين وخصومه من المدنيين؟

اليوم، نحن على مفترق طرق. الحراك مهدد من داخله، مع بروز نزعة فولكلورية سادت الساحات خلال الساعات الـ24 الماضية. والتكاسل في بناء لجان تنسيق لتنظيمه على الارض. وهو مهدّد من الانتهازيين السياسيين أو «المدنيين» من جماعة «زيحوا لنجلس مكانكم». كما أنه مهدّد من عسس السفارات والقوى الخارجية التي تريد استثمار هذا التحرك الشعبي الكبير خدمة لحساباتها السياسية. والتهديد الأكبر من السلطة نفسها التي تتصرف على أنها أعطت الفرصة الطويلة للناس ليعبّروا عن غضبهم وكفى!

لذلك، فإن وهم امتثال الناس لإرادة السلطة بالخروج من الشارع مع اعلان الحريري ورقته اليوم يشكل مأساة كبيرة، لأن السلطة عندها ستلجأ الى القمع مباشرة. وهنا التهديد الكبير من دفع الناس الى التعبير بطريقة أخرى عن غضبها، وعندها لا أحد يعرف الى أين ستسير البلاد.

في ثنايا البحث في الحل، يتقدم الحديث عن تعديل حكومي ضروري بعدما خرجت القوات اللبنانية، وضرورة تعيين أربعة وزراء جدد. فهل نحن أمام مزحة سمجة مثل أن الحريري يتشاور مع باسيل في كيفية تقاسم حصة القوات وتعيين وزراء يمثلون الطرفين؟

جنبلاط يريد إخراج باسيل من الحكومة، وهو ينطق فعلياً بمطلب الرئيس بري الذي يرفض المساس بوزير المالية علي حسن خليل إذا بقي باسيل في الحكومة. والحريري لن يقبل أن يكون محمد شقير كبش المحرقة. لكن، هل من يقدر على إقناع هؤلاء بأن التعديل الضروري لا يتطلب فقط إخراج وزراء من العيار الثقيل من الحكومة، بل الإتيان ببدائل لا يمثلون القوى السياسية، بل يمثلون ما هو أقرب الى الناس المنتشرين في الشارع. ولا يهم كيف تكون طوائفهم ومذاهبهم، لكن يهم أن يكونوا في مواقع وزارية جدية، وبصلاحيات جدية، وبحصانات جدية تمنع التسلط عليهم من أركان الحكومة والمجلس النيابي. التعديل الحكومي المنشود، وهو ضروري بمعزل عمّا إذا كان يرضي الناس أو لا، يجب أن يكون بإدخال عقلية جديدة الى قلب الحكومة، وبأن يجلس على الطاولة أشخاص يفكرون خارج سياق التفكير القائم منذ ثلاثة عقود. والتعديل إن لم يجرِ على هذا النحو فهو، كما الورقة الاصلاحية، لن يخدم البلاد ولا السلطة لأكثر من أسابيع أو شهور.

أما الشارع، فليس عنده ما يخسره أكثر ممّا خسره حتى الآن. ولأنه من الصعب توقّع بروز قيادة موحدة للحراك، أو مقرّرة لمساره، فالمهم هو أن يحافظ الجميع على وتيرة النزول الى الشارع، وليستمر الضغط على أهل الحكم لتقديم تنازلات ضرورية. هذه المرة في الموازنة. وغداً في القوانين وبعده في السلطات القضائية والأمنية، ومن ثم في التعيينات الادارية، وصولا ًالى تغيير دستوري ضروري لخلق فرصة ممكنة لقيام دولة مدنية على أنقاض دولة الطائفيين ومجرمي الحروب ولصوصها.

 

من ملف : يوم الاختبار: السلطة أم الناس؟