IMLebanon

تغيير الموقف السعودي تجاه سوريا

 

في اليوم الأول من زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لبحث وضع منطقة الشرق الأوسط والعلاقات الروسية – السعودية، قامت الغواصات الاستراتيجية الروسية بقصف صواريخ «كاليبار» البعيدة المدى من عمق البحر نحو دير الزور لتضرب مراكز داعش والقوى التكفيرية، وهي إشارة روسية الى السعودية بأن روسيا تدعم بشكل مطلق الجيش السوري وحلفاءه ضد داعش والقوى التكفيرية كلها، من فتح الشام الى جبهة النصرة الى بقية التنظيمات الأصولية.

وفي اليوم الثاني على التوالي قامت الغواصات الروسية أيضا بإعادة القصف بصواريخ «كاليبار» بعدما تزودت بهذه الصواريخ مجددا من قاعدة طرطوس البحرية على الشاطئ السوري. وادى القصف الروسي بصواريخ «كاليبار» الى تدمير مناطق بكاملها تابعة لداعش نظرا لقوة هذه الصواريخ ودقة اصابتها لانها تعمل بالاقمار الصناعية.

كذلك شنت الطائرات الروسية اكثر من 70 غارة على دير الزور لتدمير مراكز داعش من امام الجيش السوري وحلفائه في إشارة أيضا الى ان روسيا تدعم النظام السوري، ويترافق هذا العمل العسكري الكبير الروسي مع زيارة الملك السعودي الى موسكو، لتؤكد موسكو دعمها للنظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد مع النظرة الروسية الى ضرورة مشاركة المعارضة المعتدلة في اي تسوية سورية بعد الحرب وعدم أحادية حكم الرئيس بشار الأسد لسوريا، بل حصول تعديلات سياسية هامة لا يحكم حزب البعث وحده سوريا، ولا يكون منفردا الرئيس بشار الأسد في حكم سوريا، بل تشاركه قوى سياسية معارضة معتدلة في الحكم، ولها دور في القرار. وهذا قرار يستند الى قرار الأمم المتحدة، لكن بخاصة الى القناعة الروسية في شأن الحكم ومستقبل سوريا.

من هنا ننظر الى تصريحات وزير خارجية السعودية الذي صرح في المانيا وفرنسا وواشنطن ان لا مكان للرئيس بشار الأسد في حكم سوريا، ويجب رحيله، اما في موسكو فقام وزير خارجية السعودية عادل جبير بتغيير لهجته الكاملة وعدم الحديث بتاتا باتجاه الرئيس بشار الأسد ورحيله، بل قال عن التسوية السياسية في سوريا.

موقف آخر جاء من ملك السعودية ليؤكد على وحدة سوريا وهذا تغيير كبير في الموقف السعودي الذي دعم التكفيريين والقوى التكفيرية في تغيير الخارطة السورية واسقاط النظام، بينما الان يطالب ملك السعودية بوحدة سوريا والعراق ويعني مطالبة السعودية بوحدة سوريا عدم اسقاط النظام بل حصول تسوية سياسية.

الاقتراب السعودي – الروسي بالنسبة الى السعودية يتركز على الدور الإيراني ولا يتركز على الموضوع الداخلي السوري، وما يهم السعودية ان تلعب روسيا دورا في تخفيف نفوذ ايران او الطلب من ايران عدم التوسع في دول الشرق الأوسط، لان السعودية تعتبر ذلك اخلالا بالتوازن العربي في مناطق المشرق العربي والمنطقة العربية.

وقد قامت روسيا بتزويد السعودية بمنظومة الدفاع اس 400 لتعطي إشارة انها تريد حماية السعودية من هجوم أي صواريخ بالستية سواء كانت من ايران او من أي دولة في المنطقة، لان منظومة الدفاع اس 400 فعالة جدا ضد الصواريخ اكثر من منظومة الدفاع باتريوت الأميركية التي هي من اهم أسلحة الدفاع الجوي الأميركي وإعطاء السعودية منظومة الدفاع الجوي اس 400 هي إشارة لحماية السعودية واشارة لإيران بان الصواريخ البالستية التي هي عند ايران قد تتصدى لها منظومة الدفاع الروسية اس 400. وهكذا لعب بوتين دور التوازن بين السعودية وايران دون ان يكون طرفاً في الصراع السعودي – الإيراني، بل لعب دورا في تخفيف التوتر بين السعودية وايران.

كذلك قال وزير خارجية روسيا لافروف انه من المفيد جدا ان تقدم السعودية مساعدة جادة لتوحيد مجموعات المعارضة المعتدلة لتوفير الحل السياسي في سوريا، وقال ان مفاوضات جنيف ما زالت متوقفة، لكن روسيا ترفض عددا من المعارضة يحاول فرض شروط مسبقة مثل رحيل الرئيس بشار الأسد من الساحة السياسية ، الامر الذي ينتهك قرار الأمم المتحدة رقم 2254.

وقال وزير الخارجية السعودي عادل جبير ان بلاده تعمل في شكل مكثف مع روسيا لتحقيق التسوية في سوريا، وهذا تغيير في لهجة وخطاب وزير الخارجية السعودي الذي كان يتكلم كلاما متطرفا ضد نظام الرئيس بشار الأسد ويطالب برحيل الأسد.

وهنا لا بد من الإشارة على الصعيد العسكري الى أن الجيش السوري في اطار سيطرته المتتابعة على مواقع مسلحي داعش في ريف دير الزور اصبح على بعد 5 كيلومترات من مدينة الميادين السورية، ونفذت القوات السورية عمليات مكثفة ضد الإرهابيين على طريق دير الزور الميادين وكبدتهم خسائر كبيرة.

وأوضح ناطق عسكري سوري ان مدفعية الجيش دمرت بضربات مركزة مستودعا للأسلحة ومقر اتصالات وقيادة وعدة عربات مزودة برشاشات ثقيلة، وهذه المدينة تعتبر من اكبر المدن التي لا تزال تحت قبضة داعش في سوريا.

وساعدت الضربات الروسية القوات السورية على التقدم داخل مدينة الزور وفي ريفها.

لكن الغريب في الامر ان الولايات المتحدة ساعدت داعش في منطقة قاعدة التنف الأميركية لتسهيل الامر لداعش كي تهاجم الجيش العربي السوري وحلفاءه مثل حزب الله وآخرين، مما أدى الى سقوط شهداء في الجيش السوري وحزب الله والحلفاء. كذلك من غير المفهوم لماذا تقوم الولايات المتحدة بدعم الجيش الكردي الديموقراطي ليحتل المزيد من الأراضي السورية وينتشر اكثر في محاولة لزيادة السيطرة الأميركية على المناطق الكردية داخل سوريا.

وفي المقابل تواصل القوات الحكومية السورية عملياتها ضد مسلحي داعش في المناطق بين محافظتي حمص وحماه، وتقدمت واستعادت 5 قرى شمال شرق ريف حمص. ويستعد الجيش السوري لاستعادة مدينة القريتين المحاصرة، للسيطرة على الاحياء الشمالية والغربية في حمص.

روسيا سياستها واضحة في سوريا واستطاعت تغيير الموازين عبر تدخلها العسكري في سوريا، إضافة الى تثبيت النظام ورئيسه بشار الأسد، لكن اميركا تلعب دورا مشبوها سواء لناحية دعم الاكراد في سوريا، ولناحية تسهيل حركة داعش في مناطق يمكن ان يقصفها الطيران الأميركي، لكن الولايات المتحدة لا تريد ان يسيطر النظام السوري والجيش العربي السوري على مناطق اكثر في سوريا، وان لا ينتصر على داعش بسرعة، ولا حزب الله ان يتقدم على الأراضي السورية. ولذلك فان الموقف الأميركي مشبوه.

لكن الموقف الأميركي يصطدم الان بالتقارب السعودي – الروسي، حيث تم الاتفاق بين روسيا والسعودية على سياسة تصدير النفط وتخفيف الإنتاج لرفع سعر النفط، كذلك تم التوقيع بين الرئيس الروسي والملك سلمان على اتفاقات ومعاهدات كبيرة وهامة، واحتجت واشنطن على بيع روسيا للسعودية منظومة اس 400 الدفاعية الهامة.

وتختلف روسيا مع الولايات المتحدة لان روسيا تعمل مع مصر والأردن ودول عربية أخرى على تنظيم معارضة معتدلة لاشراكها في النظام، بينما الولايات المتحدة دورها مشبوه في شأن النظام، وحتى الان لا تعمل على وحدة الأراضي السورية، خاصة لناحية إقامة قاعدة عسكرية أميركية في منطقة التنف حيث انطلقت داعش ضد خلفية الجيش السوري وحزب الله وسقط عشرات الشهداء من الجيش السوري وحزب الله بخسائر كبيرة بعد هجوم داعش حيث سهل الاميركيون حركة داعش بغض النظر عن الامر.

ان السعودية تقوم بتغيير سياستها تجاه سوريا، وقطعت التمويل عن المنظمات التكفيرية، من داعش الى جبهة النصرة الى فتح الشام واحرار الشام وغيرها، كذلك اتفقت مع تركيا على منع أي تكفيري من العبور من السعودية الى تركيا الى سوريا، واتفق الملك سلمان مع الرئيس بوتين على دعم وحدة سوريا وعلى بقاء الرئيس بشار الأسد واشراك المعارضة المعتدلة، وهذه اول مرة تقرر رسميا السعودية وتعترف بالنظام السوري مع روسيا وإبقاء الرئيس بشار الأسد شرط مشاركة المعارضة المعتدلة، في حين ان الجيش السوري يحقق انتصارات على الأراضي السورية مع حلفائه ويتجه الى مدينة الميادين للسيطرة عليها وإخراج داعش منها، كذلك المعركة الكبرى هي في دير الزور، حيث تسيطر داعش ويقوم الجيش الروسي بضرب دير الزور لفتح الطريق امام الجيش السوري.

اما بالنسبة الى الغارة الجوية التي سقط بنتيجتها 7 شهداء من حزب الله فهي جاءت نتيجة خطأ قام به الطيران الروسي وقصف في شرق حمص مركزا لحزب الله. وقال حزب الله ان القصف جاء من الأصدقاء بالخطأ. لكن الدور الأميركي مشبوه في سوريا.

والغريب في الامر انه اذا كانت واشنطن تحارب داعش وحزب الله يحارب داعش، أي أن حزب الله يحارب الإرهاب، فلماذا تسعى واشنطن بكل ثقلها لفرض اكبر عقوبات على حزب الله، لولا ان واشنطن تريد محاصرة حزب الله من اجل إسرائيل ومن اجل طلب إسرائيل من واشنطن محاصرة حزب الله بكل الوسائل، وهذا يتناقض مع محاربة واشنطن وحزب الله للارهاب ولداعش معاً.

ان سوريا باتت على مقربة من الانتصار من داعش والقوى التكفيرية، والجيش الروسي يزيد من ضربه وقصفه من البحر والجو ضد داعش، ولم يعد امامه الا سنة كاملة لتحرير منطقة ادلب ودير الزور بالتنسيق مع روسيا وقيام روسيا بالتنسيق مع الطرف التركي للحفاظ على الحدود التركية – السورية ومنع التكفيريين من العبور من تركيا الى سوريا.

في سوريا اتجاه لعودة سوريا موحدة وقوية مع تعديلات إصلاحية كبيرة تخفف من أحادية حكم الرئيس الأسد واشراك المعارضة المعتدلة في الحكومة، كي لا تكون الحكومة ومجلس الشعب السوري مؤسستين وهميتين يعينهما النظام السوري، لا مجلس الشعب بانتخاب حقيقي ولا الحكومة باختيار جدي، بل يجب ان يتم انتخاب مجلس الشعب بانتخابات ديموقراطية شفافة تؤدّي الى قيام مجلس شعب يمثل الشعب السوري كله، كذلك يجب ان تكون الحكومة وفق روسيا في المستقبل، حكومة سورية لا يعينها الرئيس بشار الأسد من فريق واحد، بل تشترك فيها المعارضة المعتدلة ويكون لها مراكز هامة داخل الحكومة السورية.

يبقى امر واحد، ان واشنطن دورها مشبوه في سوريا، ومع الوقت ستقتنع واشنطن بأن التحالف الروسي – السوري وتغيير موقف السعودية والدول العربية من النظام في سوريا مع الإصلاحات السياسية، لتقوم واشنطن بتوقيف لعبتها بدعم الاكراد وغض النظر عن داعش والحاق خسائر بالجيش السوري وحزب الله وسقوط شهداء لهم، لان داعش انطلق من قرب قاعدة التنف الأميركية في سوريا لتهاجم خلفية الجيش السوري وحزب الله، وحيث سقط عشرات الشهداء من الجيش السوري وحزب الله.