إذا كان الرئيس سعد الحريري أكد بحضوره شخصياً الذكرى العاشرة لاستشهاد والده الثوابت التي لن تغيرها حوارات ولا تسويات، فما الذي سيقوله الخطباء في ذكرى 14 آذار للجمهور، وما الذي سيتغير في هذه الذكرى ليكون ما بعدها غير ما قبلها؟
الواقع ان 14 آذار لم تحقق منذ قيام ما عُرف بـ”ثورة الأرز” سوى نصف انتصار لأن 8 آذار استطاعت أن تستولي على النصف الآخر عندما نجحت في إبقاء الرئيس إميل لحود في سدة الرئاسة نتيجة اختلاف أركان تلك الثورة بين من أراد الزحف شعبياً إلى قصر بعبدا لإطاحته كي يكتمل انتصار الثورة، ومن عارض ذلك خوفا من سقوط قتلى وجرحى إذا ما صار استخدام القوة وتصدّى للزاحفين إلى بعبدا الحرس الجمهوري ومعه سلاح “حزب الله”. لذا صار الاكتفاء بإسقاط الحكومة. ومنذذاك التاريخ وقوى 14 آذار في صراع دائم مع قوى 8 آذار على السلطة لم تحسمه لا نتائج انتخابات 2005 النيابية ولا نتائج انتخابات 2009 لأن قوى 8 آذار، وبقوة سلاح “حزب الله”، رفضت الاعتراف بهذه النتائج واعتبرتها أكثرية نيابية فازت بها قوى 14 آذار وليست اكثرية شعبية. كما استطاعت ان تفرض عليها تشكيل حكومات “وحدة وطنية” تتمثل 8 آذار فيها بالثلث المعطل وإلا كان الفراغ الحكومي، ما اضطر قوى 14 آذار الى القبول بالسيئ خوفاً من الأسوأ… واستطاعت قوى 8 آذار أيضاً أن تفرض على قوى 14 آذار القبول برئيس للجمهورية من خارج صفوفها فكان الاتفاق في الدوحة على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً.
وهكذا استمر الصراع بين 8 و14 آذار على السلطة منذ عام 2005 وكان ينتهي غالبا بالتعادل لأن قوى 14 آذار وهي تواجه سلاح “حزب الله” لم يكن في إمكانها سوى الدعوة الى الصمود حينا والتصدي حينا آخر بسلاح الموقف، لأن التصدي للسلاح بالسلاح يشعل فتنة قد تقضي على لبنان، وهو ما لا تريده قوى 14 آذار، وإن كان سواها لا يهمه بقاء لبنان أو زواله.
ولم يكن في هذا الصراع تكافؤ لأن قوى 14 آذار ردت على البندقية بالديموقراطية التي لم تسمح للأكثرية بأن تحكم بابتداع قوى 8 آذار فكرة “الديموقراطية التوافقية”. واستمرت قوى 14 آذار بالدعوة للعبور الى الدولة، والعبور إليها يستدعي حل مشكلة السلاح خارج الدولة، وقد أملت خيراً عندما تقرر في هيئة الحوار الوطني إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات توصلا الى ضبطه داخلها، وان يكون الاتفاق على “الاستراتيجية الدفاعية” هو السبيل لحل مشكلة سلاح “حزب الله”. لكن لا مشكلة السلاح الفلسطيني تم التوصل الى حلها تنفيذا للقرار الصادر عن هيئة الحوار لأن لسوريا موقفا آخر، ولا مشكلة سلاح “حزب الله” تم التوصل إلى حلها ايضا بسبب عدم الاتفاق على “الاستراتيجية الدفاعية” لأن مكان حل هذه المشكلة ليس في لبنان إنما هو في إيران.
وهكذا تعذر على قوى 14 آذار تحويل شعار “العبور الى الدولة” قرارا، ولم يكن في سبيل لمواجهة قوى 8 آذار ومن يساندها في الخارج، ولا سيما ايران، سوى الدعوة الى الصمود وعدم الاستسلام الى ان تحصل متغيرات تساعد على العبور الى الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها، فلا تكون دولة سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، لأن البديل من سياسة الصمود هو التصدي بالسلاح، وهذا معناه عودة الى حرب لم ينسَ اللبنانيون بعد مآسيها وويلاتها، وإن كان هذا ما يتمناه أعداء لبنان وأعداء كيانه ووجوده.
وإذا كان لا سبيل للعبور الى الدولة إلا بحل مشكلة سلاح “حزب الله” وحل مشكلة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، فهل تلقى دعوة الرئيس الحريري إلى حوار حول “الاستراتيجية الوطنية”، وهو الشعار الجديد الذي إذا صار اتفاق على تحويله قرارا، آذانا صاغية بحيث يمكن التصدي للارهاب وقد بات العدو المشترك للجميع بعدما تعذر الاتفاق على “الاستراتيجية الدفاعية” من أجل التصدي لعدو آخر هو إسرائيل؟
إن الجواب عن هذا السؤال هو عند “حزب الله” إذا كان حراً في اتخاذ قراره وقبل أن يكون جزءا من المعادلة اللبنانية الداخلية. أما إذا ظل جزءا من المعادلة الاقليمية فإن القرار لن يكون له وحده إنما لإيران ولتسوية إذا تم التوصل إليها في المنطقة.
لذلك فلا انتصار كاملاً لقوى 14 آذار ولا لقوى 8 آذار، ولا قيام لدولة قوية في لبنان إلا في انتظار حصول هذه التسوية، إذا حصلت. وإلا فإن لبنان سيبقى من دون دولة ما دام السلاح خارجها، ولن يكون أمام قوى 14 آذار سوى الصمود مهما طال الوقت، ومهما غيّرت من شعاراتها وهيكلياتها وتسمياتها، في انتظار المتغيرات والتحوّلات في المنطقة. ومن دون ذلك سيظل “السيف أصدق إنباء من الكتب”… والديموقراطية لا تستطيع مواجهة البندقية.