مشهد الفشل يتكرر في ساحة النجمة وحول طاولة الحوار وفي مجلس الوزراء. وليس أخطر من الفشل في تقديم شيء للبلد والناس سوى التكيف مع تكراره كأنه أمر روتيني. فلا تكرار الفشل مجرد مزيد من الشيء نفسه مع التوهم بأننا لا نزال في الوضع نفسه. ولا التكيف مع روتين التكرار يحجب كون أثقال الأزمات والتطورات تأخذنا في المسار الانحداري من تحت الى تحت التحت.
هكذا رأينا تكرار المشهد في الجلسة الحادية والأربعين المخصصة لانتخاب رئيس، والمعروف سلفاً أن نصابها لن يكتمل. كأننا في واقع يتجاوز مسرح العبث. وكما في مسرحية في انتظار غودو حيث يتكرر كل مساء مجيء من يقول لاستراغون وزميله إن غودو لن يأتي الليلة لكنه سيأتي غداً، يأتي الى مسرح المجلس من يعلن تأجيل الجلسة لعدم اكتمال النصاب وتحديد موعد جديد في سلسلة الجلسات العبثية.
وهكذا نرى روتين الانتظار لأي تحرك في الداخل والخارج على أمل أن يفك العقدة الرئاسية. اذ ننتظر ما تنتهي اليه حرب سوريا، وما بعد انتخاب رئيس أميركي جديد، وما يحدث في صراع المحاور ويتقرر في الرياض وطهران، وما يحمله وزير الخارجية الفرنسي الآتي الى بيروت بعد اجتماعه في باريس مع وزير الخارجية الايراني. ننتظر، ونحن نسمع من الأميركي والفرنسي والروسي والايراني والسعودي ان القرار للشعب اللبناني، وان أي سيناريو يتفق عليه اللبنانيون تدعمه القوى الاقليمية والدولية. نسمع من دون أن نصدّق ان المفتاح في أيدينا.
ولكن، ماذا لو كانت الرهانات الرئاسية، على اختلافها، خارج الموضوع؟ ماذا لو كان الجدل حول دور الداخل والخارج مجرد دوران في الفراغ؟ ماذا لو صارت حتى التصورات الواقعية للمخرج من المأزق الوطني والسياسي والاقتصادي خيالية؟ أليس علينا الاعتراف بأن الظروف تبدّلت بأكثر مما نتصور، والتوقف عن المقارنة بين عقدة الشغور الرئاسي الذي دخل سنته الثالثة والبحث عن حلّها بعقدة الشغور في مرحلتين سابقتين وما قاد الى الحل ومن جاء بهذا الرئيس أو ذاك وكيف؟
لا مهرب من تغيير الأسئلة التقليدية للحصول على أجوبة حقيقية. وليس من الضروري، ولو لم تحدث الصحوة الوطنية التي دعا اليها الرئيس تمام سلام، ان يصح التحذير من ان تكون الحكومة آخر حكومة والمجلس الحالي آخر مجلس، بعدما تخوّف كثيرون من ان يكون الرئيس ميشال سليمان آخر رئيس ماروني. لكن من المحتم أن نقرأ بعمق معنى ربط مصير لبنان كنظام، لا فقط كرئاسة، بمصير المنطقة الذي يتقرر في حروب سوريا والعراق واليمن وصراع المشاريع الاقليمية والدولية.