بعد مرور أكثر من شهر على انتهاء الإنتخابات النيابية، بات بالإمكان إجراء قراءة هادئة للنتائج العامة والتي أسفرت عن ضياع الأكثرية في المجلس النيابي.
ليس صحيحاً أن الشعب ليس تواقاً للتغيير أو انه «مربوط» بزعيمه إلى حدّ التبعية، لكن الحقيقة أن اللبناني الذي ذاق المآسي لا يمكنه أن يدخل بمغامرة غير محسوبة الأهداف.
وفي السياق، فإن الشعب اللبناني صوّت بقسم كبير منه للتغييريين وظنّ أنه قلب الأكثرية من مكان إلى آخر، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت بإعادة إنتخاب نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب لولاية سابعة، أما الصدمة فكانت بسقوط مرشّح المعارضة النائب غسان سكاف أمام مرشّح «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وبري، النائب الياس بو صعب في نيابة رئاسة مجلس النواب، ليتفاجأ الجميع بإشادة النائبة التغييرية نجاة عون ببري والقول عنه «بري مدرسة وما حدا يتفلسف».
إذاً، قام قسم من الشعب بواجباته «وانتخب صّح» كما ظنّ، لكن قسماً من النواب التغييريين خذله، وأتت الفضيحة الأكبر، عدا عن كلام نجاة عون، بعدم توحّدهم في كتلة واحدة حتى الساعة، وظهر هذا جلياً خلال الإستشارات النيابية الملزمة التي ينوي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إجراءها في 23 من الشهر الحالي، حيث سيذهب كل نائب تغييري، وعلى رأسهم الـ13 الذين يعتبرون أنفسهم منزّهين، لوحده إلى الإستشارات حسب جدول مواعيد القصر الجمهوري إذا لم يحصل أي تغيير، إلا إذا حصل أمر ما ووحدهم واتفقوا على اسم واحد لرئاسة الحكومة مع بقية القوى المعارضة.
عندما اندلع الربيع العربي في تونس وامتدّ إلى مصر وسوريا ومن ثمّ إلى معظم أرجاء الدول العربية، رفع الثوار العرب شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكن نيران هذا الربيع تحوّلت إلى لهيب، ولم تصل إلى بيروت، حينها قيل إن النظام اللبناني من أقوى الأنظمة العربية لأنه موجود بقوّة لكنه غير مرئي للعين، فعلى سبيل المثال، فقد ثار المصريون ضدّ حكم الرئيس حسني مبارك، والسوريون ضدّ الرئيس بشار الأسد، فعلى من يثور الشعب اللبناني؟
وشكّلت 17 تشرين منطلقاً لحراك إجتماعي وتغييري، لكن سرعان ما خفتت شعلتها بعد دخول عدّة عوامل على خطّ الإنتفاضة، مما دفع الناس إلى إعادة إجراء الحسابات والسؤال إلى أين ذاهبون وأين القيادة الموحّدة للثورة؟
ويمكن ان تعطي نتائج ما بعد الإنتخابات تبريراً للناس التي لم «تنفحط» بمن حاول القول إنه مرشّح باسم الثورة، والدليل أن عدداً من النواب التغييريين كان مخروقاً من قِبل «حزب الله»، في حين أن الأهم هو التهاء عدد من النواب بالقشور وعدم الإلتفات لمعاناة الناس.
وعلى سبيل المثال، فإن المعضلة اليوم ليست بإقرار الزواج المدني بل بتأمين لقمة العيش والدواء للمواطن أو منفضة للدخان في مجلس النواب، وليس بتغيير مذهب رؤساء اللجان بل بتأمين الكهرباء والمياه للمواطنين وإعادة إطلاق عجلة المؤسسات وعلى رأسها المجلس النيابي وإقرار التشريعات الضرورية، فحتى الساعة لم تجتمع المعارضة وتطرح خطة للكهرباء، في حين أن الناس سبقتهم في كل المناطق وبدأت توليد الكهرباء مستخدمةً الطاقة البديلة ومن جيبها، فما حاجة هؤلاء الناس إذاً إلى نواب إذا كانوا لا يرغبون في ملامسة وجعهم الحقيقي وطرح حل لمشكلات البلد سواء المعيشية أو الحياتية وصولاً إلى المشكلة الكبرى المتعلقة بسيادة الدولة وقرار السلم والحرب.
ليس المطلوب من النواب التغييريين إجتراح المعجزات، فأزمة بلد عمرها 30 عاماً لا يمكن حلّها في يوم أو شهر أو سنة، فالبلد يحترق ويجب إطفاء الحريق قبل معرفة من رمى السيجارة الحارقة لا سيجارة التدخين، لأن من رمى النار في أرزات الوطن بات معروفاً وأحدهم هو رمز لهذه المنظومة وأشادت به نائبة التغيير، فالأساس يبقى في إنطلاق الحل وليس الدخول في مزايدات شعبوية لأن الشعب شبع من الكلام ويريد حلولاً، وهو يعلم أن السلطة فاسدة ولن يتفاجأ بفسادها، لكنه سينتكس إذا استمر النواب التغييريون والمعارضون بهذا النهج ولن يتوحدوا، فبتفرّقهم يقولون لـ»حزب الله» أنت الحاكم وأنت الآمر الناهي.