دخلت «إيران العميقة»، مرحلة العدّ العكسي لخلافة المرشد آية الله علي خامنئي. كل التطورات الداخلية تجري على وقع معركة الخلافة. المشكلة أنّ خامنئي ليس وحده الذي شاخ وأتعبه المرض. كل الحلقة الضيقة التي يُحارب بها شاخت وأتعبها المرض. من الطبيعي أن يحدث ذلك، لأنّه مضى عليه أكثر من 25 سنة وهو الوليّ الفقيه المطلق الصلاحية، الذي يتلاعب بالجميع يقرب منه من يشاء ويبعد عنه وعن السلطة من يقرّر إبعاده. من الطبيعي أكثر في هكذا نظام أنّ الأكثر طاعة يكون الأقرب إلى القمة.
في أسبوع واحد، وقبل أن تدخل إيران ما يُطلق عليها حالة «كوما عيد النوروز» التي تستمر أكثر من عشرة أيام في الدولة وعشرين يوماً في الأوساط الشعبية ابتداء من السبت المقبل:
* استنكف آية الله جنّتي (91 سنة) عن إلقاء خطبة الجمعة في طهران. لكن تمّ التجديد له في رئاسة «مجلس الخبراء» لأنّه لا يوجد أحد يمكن أن يأتمنه خامنئي على هذا الموقع الذي مهما كان دور رئيسه شكلياً إلا أنّه يبقى مهمّاً في إدارة جلساته عند اختيار المرشد القادم، علماً أن لا شيء يضمن بقاء جنّتي حيّاً حتى ذلك اليوم.
* جرى التجديد لآية الله شهروردي نائباً للرئيس جنّتي علماً أنّه يعاني من مرض السرطان المتقدم وقد جرى علاجه في ألمانيا. إلى جانب أنّه في زمن يتصاعد فيه المدّ القومي لا يمكن له تبوّؤ أي منصب رئاسي لأنه «نجفي يلحّن» أي يقول العين عين والحاء حاء وليس كما الإيرانيين.
* أبقي على السيّد ابراهيم رئيسي عضواً في مجلس الخبراء أي العين المراقبة والمتابعة لخامنئي على أمل أن يكون هو المرشّح القادم لخلافته.
* تدور معركة خفيّة حتى الآن حول تسمية الرئيس حسن روحاني رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام الذي كان يتولاّه هاشمي رفسنجاني. هذا الموقع رغم رمزيّته في السلطة إلا أنّه يجعل من الرئيس «مديراً» لأبرز رموز السلطة.
* حكم على أقرب الأشخاص إلى الرئيس السابق أحمدي نجاد بالسجن مدة طويلة، رغم كل مداخلات نجاد. ولا شيء يحول دون إدانة الأخير إذا أصرّ على متابعة «المشاغبة» وهو الذي يملك ملفات وأسراراً ضخمة.
* طالب الرئيس حسن روحاني بإجراء استفتاء شعبي كما ينص الدستور حول حل الخلافات الداخلية. وسواء حصل الاستفتاء أم لم يحصل، فإنّ مجرّد طرح العمل به يشكّل خطوة تصعيدية، فقد سبق وأن دفع الرئيس محمد خاتمي ثمنها غالياً لأنّه طالبَ به. من الصعب أن يتم تدفيع روحاني الثمن الذي دفعه خاتمي وهو العزل عن جمهوره وعدم الظهور العلني، لأنّ الفرق كبير بين حضور وقوّة خامنئي بين الماضي والحاضر.
* يتابع قادة «الحرس الثوري» الممسكون بكل المشاريع الاقتصادية والصاروخية، مع ما يستتبع ذلك من مخصصاتها التي تتجاوز عدة مليارات من الدولارات، حملتهم الإعلامية الواسعة حول قوّة «الحرس» وصواريخه التي «أدهشت العالم»، لأنّهم يعلمون أنّ التغيير في إيران، عاجلاً أم آجلاً سيدفعون ثمنه من مواقعهم وامتيازاتهم.
يبدو واضحاً أنّ «الآلة الخامنئية» في النظام بدأت تشعر بأهمية وحتى خطورة التغيير في الإدارة الأميركية. لذلك تعمل على إحداث تغيير في حركتها ومشاريعها ببطء وبطريقة مدروسة.
بدايةً رغم كل طموحات البحرية الإيرانية، بالتمدد وحتى الوقوف في وجه الأسطول الأميركي في منطقة الخليج فقد لاحظ أحد قادة البحرية الأميركية، «انخفاضاً ملحوظاً في الحركة الاستفزازية للسفن الإيرانية». ويبدو أنّ قادة «الحرس» الذين جعلوا من توقيف جنود البحرية الأميركية «أسطورة» تؤكد قوتهم وضعف الجنود الأميركيين بدأوا يدركون أن قادة البحرية الأميركية في زمن ترامب لا يعملون كما عملوا في «المرحلة الأوبامية». لذلك من الأفضل تخفيف الاستفزاز وخفض التصعيد، وهذا ما يحصل حالياً.
أمام هذا التطور الذي يفرضه الرئيس دونالد ترامب، لا يمكن أن يبقى تخفيض منسوب التصعيد والتطرّف محدوداً. من الأفضل للمرشد خامنئي والمتشدّدين معه أن يحصروا المواجهة في أضيق الدوائر. ما يعزّز ذلك أنّ طهران تحسب الآن حسابات عديدة للمواجهة في سوريا. أدركت طهران كما موسكو أنّ «الاستراتيجية الأوبامية» انتهت وأنّ «الاستراتيجية الترامبيّة» تقوم على التحدي من دون الوصول إلى الاشتباك مع موسكو، لأنه غير مسموح لواشنطن وموسكو مثل هذا الصِدام المنتج لأي اشتباك، بسبب كلفته العالية جداً لموقعهما في العالم.
يبقى كيف سينعكس انخفاض توتّر الأجواء الإيرانية – الأميركية في المنطقة؟
يبدو أن طهران تستعد للمرحلة القادمة. من ذلك أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، شدّد قبل أيام على استعداد بلاده للحوار مع السعودية. السؤال كيف ومتى تبدأ الخطوات التنفيذية للاعتدال الإيراني؟