لم تعد الاخطار المحدقة بالحدود الشرقية للبنان مع سوريا من جرود عرسال امتدادا الى العرقوب جنوبا تحتمل مضي سائر القوى الداخلية بقواعد اشتباك مستهلكة وفاقدة الجدوى، فيما الثنائي “داعش” و”النصرة” يعلنها بالنار ومحاولات الاختراق حربا مفتوحة. هذه اللعنة القديمة المقيمة التي تلازم تاريخ لبنان الحروب والأزمات على نار الانقسامات العضوية المستحكمة به تغدو مع عدو غير متخيل هذه المرة اشبه بالانتحار الطوعي الخالص. ولا يتوهمنّ احد بسذاجة قاتلة ان التحالف الدولي سينقذ لبنان او ان مزيدا من الاستنقاع مع اي محور اقليمي سيكون كفيلا بصد الخطر القابع على البوابات.
هاكم تجربة تلك المدينة الكردية كوباني ماثلة حية امام مرأى العالم المتفرج على “داعش” تزحف عليها وسط مؤامرة كاملة الأوصاف. ولعل كل الأمل المتبقي ان لا نصل الى مرحلة نختبر فيها ما اذا كان لبنان سيكون خطاً احمر ام لا في اجندات التحالف الدولي. ولكن لدى اللبنانيين ما يكفي من مخزون التجارب المتعاقبة لكي يتيقنوا بان اي رهان على انقاذ خارجي وحده لمنع استهداف حربي يترصده لم يكن يوما سوى سراب فكيف الآن؟
نقول تغيير قواعد الاشتباك السياسي الداخلي وليس الانقلاب المستحيل للقوى السياسية على حالها لأننا وبصراحة مطلقة بتنا نخشى من ان تباغتنا وقائع فادحة اشد خطورة من معركتي الجرود في عرسال وبريتال فيما الوسط السياسي اللبناني لا يزال يجادل في ادبياته العتيقة المملة المتآكلة. هذا الحاصل والمنذر بحصول مزيد اخطر لا يقيم اعتبارا لقواعد الاشتباك الداخلية الا اذا عوضته فتنة عارمة عن محاولاته لإلحاق لبنان بالعراق وسوريا. والاغرب من كل شيء ان سائر القوى الداخلية تجمع على توصيف الخطر وترقبه بل والتحسب له فيما لا يرى اللبنانيون اي ملامح تحرك فعال للتوحد على الأقل امام خطر لم يعد مجرد كلمة عابرة او تخويف مصطنع بل كاد يقتحم بالأمس مرتفعات بريتال بعد عرسال مهددا كل المصير الواجف للبنان وكيانه وتاريخه وحاضره ومستقبله.
بكل الصراحة التي يقتضيها حجم خطر اكبر مما لا يزال كثيرون من الساسة اللبنانيين يستهينون به نقول انه ما لم ترتق القوى السياسية بأسرع ما يمكن الى تغيير قسري إلزامي لكل المشهد السياسي اولاً داعم بلا هوادة للاستنفار الأمني والعسكري على قاعدة انقاذ لبنان وترك كل شيء آخر جانبا الآن، فإن احدا لا يملك ان يضمن منع السقوط في براثن ما يدبر للبنان وهو لم يعد بالأحرف الاولى بل بالتوقيع الكامل. وما يجب استخلاصه من دروس فورية لمعركة جرود بريتال لا يقتصر على التحسب العسكري لواقعات مقبلة بل ايضاً وأولاً على انقلاب سياسي استباقي ينقذ لبنان لمرة من اشد الاخطار الزاحفة عليه.