لا مواعيد ثابتة على مفكرة جنيف وميونيخ. ولا خارج المألوف أن يطغى التصعيد في حرب سوريا على وعود القوى التي تتحدث عن التسوية السياسية. فالموفد الدولي ستيفان دي ميستورا الذي اصطدم بالمواقف المتصلبة للأطراف والتطورات العسكرية على الأرض، وعجز عن ترتيب بداية جدية لمؤتمر جنيف-٣ فأعلن تأجيله الى ٢٥ شباط، يعترف الآن بأن هذا الموعد ليس واقعياً. والروس والأميركيون الذين اتفقوا في ميونيخ خلال اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا على وقف الأعمال العدائية بعد أسبوع، يجدون أن الموعد الذي مر أمس ليس واقعياً. فالعالم الواقعي هو الحرب وحسابات المنخرطين فيها. والعالم الافتراضي هو وقف النار والتسوية السياسية.
والشائع لدى البعض أن الطريق الى جنيف-٣ يمر في حلب واغلاق الحدود مع تركيا التي وقعت في ورطة، كل مخرج منها يقود الى ورطة أخرى. والانطباع السائد لدى البعض الآخر ان الطريق الى حلب يضع جنيف-٣ في ورطة لا مخرج منها الا الى ترتيب سياسي يتجاوز ما دارت وتدور على أساسه المفاوضات. أولاً بيان جنيف-١ الذي نص على تأليف هيئة حكم انتقالي رفضت دمشق البحث فيها بمساعدة موسكو في جنيف-٢ واعترف الرئيس بشار الأسد مؤخراً بإسقاطها قائلاً إنها تقود الى تحقيق ما لم يتحقق من فوضى عبر الارهاب. وثانياً بيان فيينا وقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ الذي نص على عملية سياسية تقيم حكماً ذا صدقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.
لكن موسكو التي غيرت بدخولها المباشر في الحرب موازين القوى وقواعد اللعبة توحي أن التغيير في اتجاهين. الأول هو أن ما كان ممكناً ورفضته ادارة الرئيس باراك أوباما قبل العملية العسكرية الروسية لم يعد ممكناً ولو أرادته واشنطن: من منطقة حظر جوي الى دخول قوات برية. والثاني تذكير دمشق بأن روسيا هي التي تدير اللعبة. وعلى المستفيد من قوتها العسكرية أن يأخذ بنصائحها أيضاً. وهذا ما جاء واضحاً في كلام المندوب الروسي الدائم في المنظمة الدولية السفير فيتالي تشوركين تعليقاً على كلام للأسد أوحى أنه معني باستمرار القتال الى النهاية. اذ حذر تشوركين من أن هذا يقود الى موقف شديد الصعوبة يشمل السوريين أنفسهم ويعني أن الصراع سيستمر طويلاً.
صحيح أن تشوركين كرر القول إنه يعبر عن رأي شخصي. لكن من الصعب تصور سفير لدولة الرئيس فلاديمير بوتين يغامر بتقديم رأي شخصي في موضوع بالغ الأهمية والحساسية لبلاده على صعيد الأمن القومي والعلاقات مع نظام حليف.