أمس غرّدت «الشرق» خارج السرب فبدت متفائلة (وإن بتحفّظ) حول إحتمال خرق في المشهد الحكومي المكربج. وجاء حراك الوزير جبران باسيل مستئنفاً مسارها الثاني، كما في المسار الأول، من عين التينة مضيفاً جديداً إليها. إذ جاء بما أسماها «ثلاثة أفكار» تداولها مع الرئيس نبيه بري. بينما كانت الجولة الأولى مجرّد إستطلاع آراء، وكما يقول البعض «إستكشاف نيّات». وإذا صحّت «المعلومات» المتوافرة فإنّ ثمة تفاهماً أكثر من مبدئي بين وزير الخارجية ورئيس مجلس النواب، أو أقله ثمة «تلاق» على نقطة معيّنة يمكن أن تشكل «حوافز قبول» لدى غير واحد من أطراف الأزمة، ما قد يبشر بحلحلة في المواقف المتجمّدة عند ما يسميه الوزير باسيل (بعدما أسماه الرئيس ميشال عون) «الفرض» من جهة و«الإستئثار» من جهة ثانية في هذه العقدة السنّية التي أضافت الى تأخير التشكيل أبعاداً إضافية إستجدت بعدما كان الرئيس سعد الحريري يستعد للتوجه الى قصر بعبدا لإطلاق مراسيم التشكيل مع الرئيس ميشال عون بحضور الرئيس بري.
وتوقف المراقبون عند رسالة التهنئة بعيد الإستقلال التي وجهها الرئيس الفرنسي ماكرون الى رئيس الجمهورية. فقد كان لافتاً أنّ رسالة الرئيس الفرنسي لم تكن مجرّد عملية بروتوكولية، فقد جاءت، في هذا السياق، على غرار رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حاملة أبعاداً تتخطى الحركة البروتوكولية لتدخل في صلب الأزمة. ذلك أن ماكرون لم يكتف بالتهنئة للتهنئة بل تناول الأزمة الحكومية اللبنانية حاثاً على الإسراع في تأليف الحكومة مضيفاً التأكيد على أن لبنان بإمكانه الإعتماد على فرنسا في ما يواجه من تحدّيات.
صحيح أن فرنسا ليست «متهمة» بالتدخل في عرقلة الحكومة كما توجه التهمة الى قوى إقليمية… ولكنها (أي باريس) معنية بهذا الوطن الذي كان ذات يوم ملتقى الحضارات الشرقية والغربية وفي تقديرنا أنه لا يزال، بالرغم من كل ما نراه على ساحتنا. مع العلم أن الوزير جبران باسيل حرص، ومن عين التينة بالذات، أن يؤكد على أن تأليف الحكومة مجمّد بالمواقف الداخلية وليس بالقرارات التي يفرضها الخارج. وهو بهذا الموقف يلتقي مع الرئيس نبيه بري الذي سبق له أن أعلن مثل هذا الإستنتاج غير مرّة، مؤكداً أن ليس من تدخل خارجي في مسألة تشكيل الحكومة.
هل ينجح جبران باسيل في مسعاه، أو تحديداً في الفصل الثاني من هذا المسعى؟!. قد يتعذر الجواب قبل أن يمر وقت يفترض أنه لن يكون طويلاً ينتهي إما بإعلان المراسيم من قصر بعبدا، أو بإعلان جبران باسيل «اعتذاره» عن عدم متابعة مسعاه… وأما إعلان الرئيس سعد الحريري اعتذاره عن عدم التأليف فليس ما يؤكد على أنه قرار قيد التنفيذ، بالرغم من حملة ظالمة آخذة في التصعيد تستهدف الرجل.