أخطأ وزير الخارجية السابق شربل وهبه في حديثه التلفزيوني إلى قناة الحرّة وقدّم نفسه ضحية هذا الخطأ الذي كان يعبّر فيه عن نهج يعتمده العهد بجناحيه، التيار الوطني الحرّ و”حزب الله”. اختار أن يتنحّى وفعل. أو طُلب منه أن يتنحّى وفعل. قد يكون وُضع أمام خيار وحيد أن يضحّي بنفسه في سبيل العهد.
فَشَل وهبه هو صورة عن فَشَل العهد. كما فعل وهبه على العهد أن يفعل وأن يعتمد خيار وهبه. أن يتنحّى. مجموعة الأخطاء القاتلة التي ارتكبها ولا يزال أقلّ ما يمكن أن يكون ثمنها هو التنحّي قبل أن تتطوّر الأمور في لحظة ما ليكون مجبراً على اتخاذ مثل هذا الخيار. التنحّي المنتظم يبقى أفضل من التنحّي في ظلّ الفوضى.
منذ دخوله إلى هذه الحكومة لحق النحس الوزير المستقيل والمتنحّي شربل وهبه. عندما استقال سلفه الوزير ناصيف حتّي في 3 آب 2020 كانت حكومة الرئيس حسان دياب تترنّح. استقالة حتّي كانت فاتحة لاستقالات تليها. اراد العهد بجناحيه الإيحاء أنّه اقوى من السقوط وبأنّه يمكنه أن ينقذ الحكومة التي لم يكن بإمكانه أن يشكّل غيرها فاختار شربل وهبه على عجل لكي يملأ فراغاً تركه حتّي. تعليقات كثيرة سلبية رافقت هذا التعيين باعتبار أنّ وهبه ليس مؤهلاً لمثل هذه المهمّة. ولكنّ اختياره كان على سبيل تكرار خيارات مماثلة في الحكومة والإدارة والقضاء وراءها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون المبارِك لكلّ ما يفعله باسيل.
خيار وهبه كان على قاعدة أن يبقى باسيل ممسكاً بقرار وزارة الخارجية وعلى قاعدة أنّ وهبه لا يمكنه أن يخرج عن الخطّ وهو يبقى بمثابة بديل عن أصيل ووكيل في مهمة لا يمكنه فيها أن يرفض أي طلب له. قائم بالأعمال على أبعد تقدير. هذا الأمر أثبته وهبه في كل ممارسته الوزارية منذ تولّيه هذه الحقيبة حتى تنحّيه. حتى يوم التنحّي كان وهبه على موعد مع جولة أوروبية بدا أنّها مفتعلة ليس لسبب إلّا للبحث عن إمكانية إقناع عدد من الدول الأوروبية بعدم القبول بفرض عقوبات على باسيل. تنحّى وهبه وطارت المحاولة.
تعيين وهبه أتى من ضمن سياق تعيينات مماثلة. من قيصر أبي خليل وندى بستاني وريمون غجر في وزارة الطاقة مثلاً، إلى غسان عطالله وناديا شريم في وزارة المهجرين، إلى فادي جريصاتي وطارق الخطيب وغيرهم ممن لم يكن لهم أثر طيب في الحقائب التي تولّوها غير خدمة ما يريده رئيسهم باسيل. وهي تجارب انتهت إلى الفشل وبالتالي لم تكن تجاربهم أقلّ كلفة من تجربة وهبه. تجارب إذا جمعت على بعضها تعطي صورة كاملة عن تجربة فشل العهد.
الإنهيار الذي نتج عن غلطة وهبه الكبيرة لا يقارن مع الإنهيار الذي تسبّب به العهد. لم يكن وهبه في متاهته يعبّر عن موقف شخصي بقدر ما كان يعبّر عن نهج عام كان أحد العاملين فيه. هذا النهج لم يكن يقتصر فقط على الموقف من سلاح “حزب الله” وتغطية تدخله في دول عربية عدّة وفي سوريا وفي الهجومات الكثيرة على دول الخليج. هذا النهج ظهر بجلاء أيضاً في دعم ترشيح وانتخاب بشار الأسد بهذه الطريقة الكرنفالية التي تحدّت مشاعر اللبنانيين في مناطق كثيرة. ليس غريباً على مثل هذا العهد برئيسه وتياره أن يبدي حرصاً وحناناً على عهد الأسد ضدّ أبناء بلده طالما أنّه يراهن على أن بقاء الأسد يعني التمديد للإقامة الدائمة في قصر بعبدا ونقل السلطة إلى الوزير باسيل وهي المهمة التي يعتبر رئيس الجمهورية أنّها مهمته وأنّه ليس إلا جزءاً مكملاً لمحور الممانعة.
بدل أن يتنحّى العهد متمثّلاً بما قام به وهبه يندفع نحو هاوية جديدة حتى يصبح التنحي بعدها أكثر فداحة وبعد أن يكون الإنهيار بات أكثر عمقاً. كيف يمكن أن يفكر بالتنحي عندما يعتبر العهد أنه يُحقق انتصارات؟