لم يكن المشهد الميلودرامي ليكتمل أمس بين بعبدا والسراي لولا موسيقى غنج زينة عكر المفاجئة وممارستها التمنُّع والدلال الزائد، قبل أن ترضى بحقيبة “سيادية” إضافية وصلت اليها بفعل “حصافة” زميلها “الممانع”، وبفضل قلة الراغبين في تحمل مسؤوليات تصريف الأعمال في حكومة حسان دياب.
كنا نعلم أن هناك قعراً وراء كل قعر، وأن جهنم العهد قد تشوي الناس أيضاً على وهج الزمهرير، لكن أن يصل الأمر الى حد جعل سائقي الشاحنات المبرّدة يرجون وقف تخريب علاقات لبنان مع الخليج، هو أبلغ بكثير من تنديد أهل السياسة بوزير حلَّل نفسه للذبح، ومِن تباري الصحافة في التمثيل بجثة “القتيل” بعدما رذَلَه الذين عيَّنوه وصار “ع السكين يا بطيخ”.
نعلم أن مناشدتنا أهل السلطة مجرد صرخات في وادٍ سحيق، وأن لا جدوى من مطالبتهم بإنقاذ البلاد من أيام سود ضربوا خلالها الاقتصاد المحلي فيما يسدُّون أبواب الرزق في الخارج امام اللبنانيين، لكننا لن نستسلم لمشاعر القرف المشروعة ولن نقبل باستمرار عبث قلّة أو كثرة بمصير شعب، لا بدَّ أن يعاود الانتفاض على جلاديه متماهياً مع أهل القدس وغزة في مواجهة المحتلين.
ليس شربل وهبة سوى شخص هامشي في اللعبة السياسة. بيدقٌ ضعيف نضح بما فيه. نموذج لذهنية تحتاج إعادة تأهيل لتربط السبب بالنتيجة، وتقرأ الأحداث بمنطق سليم، وتخرج من العصبية الى الهدوء الصحي، وترتقي الى مستوى الوظيفة العامة وخصوصاً رتبة وزير ودبلوماسي في بلد معقد يتطلب حنكة محترفين، لكن إعفاءه لن “يشيل الزير من البير”، ذلك ان المنظومة السياسية التي أتت به على عُجالة المكابرة لن تستخلص الدرس الموجع لتعتمد على أشخاص مناسبين، بل ربما تعلمت ألا تختار مستقبلاً للمواقع الحساسة الا الخبيث اللئيم.
يقال إن المصائب لا تأتي فرادى. وها هي حادثة شربل وهبه الدبلوماسية تضاف الى مآثر “المنظومة” في السماح بتحويل الحدود الجنوبية نهباً لإطلاق الصواريخ وفي تعريض لبنان لعدوان اسرائيلي. لم تكتفِ بترك المعابر سائبة وبالتواطؤ لتبخير مدخرات اللبنانيين، بل ضربت بالقوة العارية مشروعهم للتغيير في 17 تشرين، ولم يرف لها جفن بعد انفجار 4 آب وكأنه لم يحصل في قلب العاصمة بل في مكان ما من المحيط.
كلام شربل وهبه إضافة “نوعية” في سلسلة ارتكابات “المنظومة”، وَلَتَسبب بأذى شديد لولا استنكار الأكثرية وتوحّدها حول مصلحة اللبنانيين، ولولا استيعاب الدول الخليجية بأن لبنان منقسم بين رهائن وخاطفين. وهبه، في النهاية، فردٌ في غابة وحوش وثعابين، لا تفيد المطالبة بانكفائها كما فعل الوزير، بل أن يطالَها الحجرُ على كل صعيد