صدر كتاب عن دار النهار بتوقيع الدكتور شارل رزق الذي كان من الفريق الشبابي الذي اختاره الجنرال فؤاد شهاب. واختير الاخير لترسيخ الاسس الديمقراطية بعد انقضاء 8 اشهر شهد خلالها لبنان ثورة على نية الرئيس شمعون ووزير خارجيته الدكتور شارل مالك على الانضمام الى حلف بغداد الذي كان وليد تفكير فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة، وتصدي لتوجهات كميل شمعون وشارل مالك فريق من الزعماء الاسلاميين الذين رفضوا الانضمام الى مجموعة حلف بغداد.
الاميركيون اسهموا في تهدئة اوضاع ثورة في لبنان باختيار الجنرال فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية في ايلول 1958.
كان فؤاد شهاب رجل منتظم بعيد عن التدخلات التي تنتقص من دور الدولة ولهذا السبب اتخذ قرارًا بتكليف شركة دراسات فرنسية وضع مخطط لتنمية لبنان وتقارب اللبنانيين، وشاء الرئيس فؤاد شهاب الاستعانة بفريق شبابي لاستلام مهمات تسهم في تطوير ادارة الدولة وتساهم في رسم خطة اقتصادية. وكان شارل رزق من اعضاء هذا الفريق وتولج مهمات اساسية كان من بينها شارل رزق والياس سركيس وميشال شيحا، وشفيق محرم، وغابي لحود، ايلي شعيا، جورج قرم الخ.
فترة الستينات شهدت اطلاق برامج تطويرية وتجهيزية في الدول الاوروبية التي واجهت تحديات الحرب العالمية الثانية وحققت بداية السوق الاوروبية اواسط الستينات، اما الشرق الاقصى الذي عانى الاضرار الاكبر من قصف اليابان بالقنابل النووية فعمليات استعادة النشاط وتنوعه اقرت في برنامج اسمي «خطة مارشال» على اسم الجنرال الاميركي الذي قاد الحرب ضد اليابان بعد اقدام اليابان على ضرب المرفأ العسكري الاساسي في هاواي عام 1941.
اهمية كتابه الذي اعتبره من افضل الكتب الصادرة عن تشعبات السياسة والسياسيين الكتاب الصادر هذه السنة ونراجع بعض مزاياه، علمًا بان الكتاب يركز على المناخ السياسي في دول المشرق العربي دون الغوص في حيثيات دول المغرب. وبالطبع هنالك تركيز على بلدان رئيسية مثل مصر وسوريا والعراق وتطرق الى السياسة في لبنان التي لم تستقر على منهج مختار من اللبنانيين لان تحرك الفصائل الفلسطينية وبصورة خاصة الفريق الذي قاده ياسر عرفات يبين تفكك الدولة اللبنانية خاصة بسبب التدخلات السورية.
تولج شارل رزق مسؤوليات كبيرة ومتنوعة خلال فترة الستينات كان منها مدير الدروس في مجلس الخدمة المدنية الذي كان تقرر انجازه حسب المنهج الفرنسي، ومن ثم ادارة تلفزيون لبنان، ومن بعد وزيرًا للاعلام ومن بعد وزيرًا للعدل في الفترة التي تلت عملية اغتيال الرئيس الحريري خلال فترة تحكم سوريا بالشأن اللبناني من عام 1976 وحتى انسحاب القوات السورية في اواخر نيسان من عام 2005.
يلاحظ القارئ ان الكتاب يبين قدرات الرئيس حافظ الاسد على تفادي الانزلاق في اخطاء استعداء سوريا، وهو يشير بعد حرب 1973 التي حقق خلال ايامها الاولى الجيش السوري بقيادة حافظ الاسد استرداد الجولان الذي كان قد خسرته سوريا عام 1967 حينما خسر السوريون الجولان وخسرت مصر السيطرة على قناة السويس. وربما اهم تقييم لسياسات حافظ الاسد كان في شرحه عن موقف الاسد من الحرب التي شنها الرئيس العراقي صدام حسين على ايران، فاختار حافظ الاسد الابتعاد عن تلك الحرب التي استنفدت احتياطات العراق ودفعت صدام حسين بعد انتهائها الى احتلال الكويت فانضم حافظ الاسد الى مجموعة الدول العربية التي ساندت القوات الاميركية في تحرير الكويت ومن بعد في احتلال العراق.
ابتدأت مفاوضات حول انجاز اتفاقات هدنة ما بين اسرائيل وسوريا وكذلك مصر وتولج كيسنجر هذه المهمة وصرح ان حافظ الاسد هو بسمارك سوريا لهدوء مباحثاته وتمسكه بالحقوق السورية. وقد كانت سوريا قد خسرت الجولان من جديد بعد دعم الولايات المتحدة لاسرائيل من اجل التغلب على خسائر حرب اسرائيل مع مصر وسوريا، وكانت مفاجأة الهجوم السوري والمصري كما حدث مؤخرًا لجهة هجوم حماس وفي حينه عام 1973 وحيازة مصر وسوريا على محاربين اسرائيليين ولجوء رئيسة وزراء اسرائيل غولدا مائير الى طلب معونات عسكرية تجهيزية من الولايات المتحدة تختزنها في اوروبا، وفي حال عدم التجاوب مع طلبات غولدا مائير فهي هددت باللجوء الى السلاح النووي. فسارع الاميركيون الى تقديم المعدات العسكرية وتمكن الاسرائيليون من استعادة الجولان في حين تحررت الملاحة في قناة السويس واستعادة مصر مداخيل حققت علاقات اوثق مع اسرائيل من سوريا.
ربما الصفحات الاخيرة من الكتاب والتي توضح اسباب اخفاق سياسات جمال عبد الناصر تستحق عناية من قبل القراء. فجمال عبد الناصر حقق بسبب جاذبيته وخطاباته الطويلة – التي كانت تستغرق 3 ساعات في كل منها – تعيد للقارئ والمواطن العربي
مقدار من تناسي مساوئ عهد جمال عبد الناصر والانفعال لسياسات عبد الناصر وكما تظهر المقاطع المستقاة من كتاب شارل رزق الحياة السياسية والتأثيرية لجمال عبد الناصر انقضت بعد خسارته حربه على اسرائيل التي خسر خلالها السيطرة على تسيير قناة السويس ومداخيلها. والواقع ان عبد الناصر الذي كانت مواقفه تقرر التوجهات العربية عن التأثير وخسارته حرب 1967 فرضت ابتعاده عن الخطابات الحماسية وانطوى على الاهتمام بشؤون مصر خلال السنوات الثلاث بعد مؤتمر الخرطوم في ايلول 1967.
انور السادات حقق خطوات لم يحركها عبد الناصر. فبعد خسارة حرب ال67 انكب على تحسين علاقاته العربية دون فرض توجهات معينة وكان قد اعتذر عن دوره في اليمن الذي شمل تحريك 30 الف جندي مصري مدعومين ب200 طائرة حربية وخسارته حرب 1967 خلال خمسة ايام ادرك عبد الناصر ان تأثيره قد انحسر وكان ايضًا قد خسر تطور العلاقة مع سوريا التي بدأت بحلف 1958 وانهت بانفصال عام 1961 ومع ذلك استمر في تطوير وحدة تشمل مصر والسودان وليبيا املاً في الاستفادة من الاموال الليبية في فترة التحضير لحرب تحرير قناة السويس من جديد وتحقيق انتصار على اسرائيل، ولم يحظ بانجاز هذه الوحدة.
ان السنوات المنقضية منذ هزيمة شهر حزيران من عام 1967 لم تشهد اتفاقات بين بلدان المشرق العربي بل هي حققت لدى البلدان النفطية خطوات تنظيمية كان من اهمها تأسيس منظمة الاوبك والتي كان للسعودية دور اساسي في قيامها وزيادة حصص الدول المنتجة في النتيجة الحالية للانتاج الى نسبة 50 و60 في المئة ومن ثم تأميم الانتاج وتسويقه واول تعديل جذري في صناعة النفط تبدى في ايران اوائل الخمسينات حينما نجح محام ايراني متخرج من فرنسا اسمه محمد مصدق في تولج صناعة النفط وانفسخ مجال مشاركة عدد من شركات النفط الاوروبية، والاميركية في تملك حصص في شركة النفط الايرانية. وكانت عمليات النفط محصورة حتى ذلك التاريخ بشركة النفط البريطانية منذ اوائل القرن العشرين وحتى اواسط القرن المنقضي. وتوسع حلقة الشركات المشتركة في تطوير نفط ايران انجز من حفيد الرئيس روزفلت الذي احتل كوبا اوائل القرن العشرين وعميل لCIA اسمه Miles Copeland كان يخطط في بار فندق السان جورج في بيروت.
بعد توسيع حلقة الشركات المشتركة في اعمال شركة النفط الايرانية وتأسيس منظمة الاوبك للحفاظ على مصالح الدول المنتجة وتشارك فنزويلا مع الاعضاء الممثلين
كان هنالك حدثين مهمين: اكتشافات النفط في ليبيا وتوافر الانتاج دون محتوى كبريتي مرتفع، وقرب مواقع التصدير من الاسواق الاوروبية.
اهم تطور حدث بالنسبة لأسواق النفط ومصالح الدول المالكة لاكبر 5 شركات نفطية كان منها شركتان و Esso Mobil، وثلاث شركات هي شل و بريتش بتروليوم وتوتال وقد انضمت الى المجموعة شركة ايني الايطالية التي هي اسهمت في انجاز عقود للبحث والتنقيب والانتاج كشركة مشاركة مع البلد المعني، وبعد اندلاع حرب 73 وتحقيق مصر وسوريا انجازات على المستوى الحربي ومن ثم مساعدة الولايات المتحدة لاسرائيل لاستعادة غالبية الاراضي والمنشئات التي تحررت من السيطرة الاسرائيلية قرر الملك فيصل بن عبد العزيز حجب التصدير للنفط السعودي عن الولايات المتحدة وهولندا – البلد الاوروبي المحتوي في ذلك الوقت على اعلى نسبة من منشئات تكرير النفط في اوروبا- فارتفعت اسعار النفط من 2.2 دولار للبرميل الى 64 دولارًا خلال عامين وتعاظمت ارباح الشركات ومنها الشركات الاميركية والبريطانية والفرنسية والايطالية.
ارث مصر السياسي حافظ عليه انور السادات مع تقربه من الاميركيين خلال السنوات 1970 سنة وفاة عبد الناصر و1981 سنة اغتياله ومن بعد مبادرته بعد حرب 1973 التي استعادت بنتيجتها مصر السيطرة على قناة السويس، بادر انور السادات الى زيارة اسرائيل ومخاطبة اعضاء البرلمان الاسرائيلي وتعداد امكانات التعاون، وفي حين حققت هذه المبادرة تطور ملحوظ في العلاقات المصرية الاسرائيلية كان وقعها على الحركات الاسلامية سلبيًا الى حد بعيد، وتجلت النقمة على توجهات انور السادات بحادث اغتياله وهو يحضر احتفالاً وطنيًا عام 1981.
قبل التطورات المشار اليها كانت مصر قد شهدت ثورة الضباط الاحرار الذين كان يقودهم محمد نجيب واقرب زملائه كان جمال عبد الناصر الذي استلم دفة الحكم عام 1956، ومنذ ذلك التاريخ استلهمت مصر منطق القوة ان على الصعيد المصري – كما يؤكد مؤلف الكتاب – او على صعيد تعاطيها مع العالم العربي، فاتصف النظام المصري داخليًا بديكتاتورية القائد الاوحد مستعينًا بالمخابرات والاعلام الموجه، واتكل على الطبقة العسكرية والادارية المصرية للسيطرة على الدول الدائرة في فلكه كسوريا ايام الجمهورية العربية المتحدة (1958-1960) واليمن وبعد انتشار الجيش المصري هناك في ستينات القرن العشرين.
وربما عوض عبد الناصر عن هفواته وتسلطه قبل وفاته. فمن المعروف انه نصح ممثل لبنان بعدم توقيع اتفاق مع ياسر عرفات يوفر حرية تحرك للفدائيين تسببت في الحرب التي دارت في لبنان والتي ضبطتها سوريا بالفعل.