الحملة الاعلامية الكبيرة التي شهدناها في قضية إيف نوفل بالغة الأهمية، لكونها أكدت مرة أخرى أهمية دور الاعلام التقليدي، مصحوباً بوسائل التواصل الاجتماعي. لا شك في ان ما حصل مع إيف مصيبة لأهله وللمجتمع، لانه يثبت تكراراً أن همجية حمل السلاح توصلنا الى الجريمة. لكن ما يلفتني في هذه القضية، وفي التهافت على النقاش في موضوع “شارلي إيبدو”، أو صورة ملكة جمال لبنان مع مثيلتها الاسرائيلية، أو حتى في قضية ميا خليفة، قدرتنا على التجييش والنقاش والاستنكار والاستنتاج والاجتهاد في قضايا معينة، من دون أن تكون لدينا الحماسة إياها حيال قضايا أخرى وطنية أو مصيرية. مناقشة كل هذه الأمور مهمة وضرورية، وخصوصاً للبعض، وكذلك اتخاذ مواقف منها، معها أو ضدها، لكن غير المنطقي هو عدم مبالاة الاشخاص انفسهم بالنظر في الشؤون الكبرى، سواء وطنية أو سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية، وكأنها لا تعنيهم، أو كأنهم يعيشون في كوكب آخر. ألم يحصل أن أنتج هذا الاندفاع الجدي في اتجاه المطالبة ببعض الملفات حلولاً مقبولة؟ فلماذا لا يتم توظيف هذه القوة الضاغطة لانتخاب رئيس للجمهورية، أم أن أعظم انجازات دولتنا بات استعادة سيطرتها على أحد سجونها، العملية مهمة لكن الأهم منها معرفة الأسباب التي خلقت واقع سجن رومية. فنحن لا نفهم لماذا، تحول اساساً، أحد مباني السجن، مرتعاً ومركز عمليات لجهات معروفة، كما لا يمكننا أن نتفهم عدم محاسبة الذين سمحوا بوصول الوضع في رومية الى هذا الدرك، أم أن علينا تقبل الوضع الحالي وعفا الله عما مضى؟
البعض يعتبر انه مهم التحقيق لمعرفة ملابسات ظهور ملكة جمال اسرائيل الى جانب ملكة جمال لبنان، وهل كان ذلك مصادفة أم غفلة أم خدعة؟…
وربما يعتبرون مهماً معرفة أصل ميا خليفة ومن يقف وراءها، وما هو اسمها الحقيقي، لأن هذا يشكل مادة إعلامية جاذبة، وأكثر أهمية ايضا الجدال في ما اذا كنا “شارلي إيبدو” أو لا، والملفت ايضا ان قلة قليلة ربما كانت سمعت شيئاً عن “شارلي إيبدو” قبل الاعتداء عليها.
إلا أن حرية التعبير مهمة جداً ومن الجميل ان نقرأ رأياً ورأياً آخر، وان يكون النقاش في هذا الشأن موضوعياً وعقلانياً وهادئاً، وليس انفعالياً غرائزياً أو دينياً متعصباً.
ولعل الأهم من كل تلك المواضيع هو حوارنا ونقاشنا وتركيزنا على شؤوننا الوطنية التي تمس أجيالنا ووطننا، شرط أن ننطلق من إرادة وطنية داخلية متحررة من ضغوط الخارج، ومدعومة بإعلام شفاف للضغط على السياسيين والمسؤولين لتوفير حلول لمشكلاتنا الحيوية. فنساهم في إعادة مسؤولينا الى محيطهم وشارعهم وناسهم، ونضعهم أمام مسؤولياتهم في استرجاع الوطن والدولة والدستور والقانون والانتخابات والرئيس.