Site icon IMLebanon

رسم بياني لنمو الدين العام حتى موعد «الكارثة»

مع إقرار موازنة العام ٢٠١٧، بدأ الشق المالي يأخذ حيزًا مُهمًا من النقاشات خصوصًا أن العديد من الخطوط الحمر تمّ تجاوزها وعلى رأسها العجز الذي أظهر فقدان قدرة الدولة على تمويله من النمو الإقتصادي. هذا العجز سيدفع الدين العام الى الإرتفاع «الخطّي» في أفضل الأحوال، و»الإسّي» إذا ساءت الأوضاع.

أظهرت دراسة الموازنة في مجلس الوزراء أن العجز في موازنة الدولة أصبح يُشكّل تهديدًا جدّيًا على الكيان اللبناني. وإذا كان من المفروض تدارك هذا الأمر منذ سنين عديدة، إلا أنه وكما يقول المثل الفرنسي «متأخرًا أفضل من عدم التدارك». وهنا يُطرح السؤال عن الإمكانات التي تمتلكها الحكومة للجم العجز؟

سارعت الحكومة عند تدارك مُشكلة العجز إلى فرض الضرائب التي لها الأفضلية في تصحيح الوضع المالي العام سريعًا. لكن هذه الضرائب ليست مجانية، فتداعياتها الإقتصادية والإجتماعية عالية جدًا وهذا يُذكرنا بالإجراءات التي تخضع لها اليونان والتي سيضطر لبنان الى إتباعها إذا لم يتدارك الوضع.

المحاكاة التي قمنا بها لمعرفة تطوّر الدين العام في الأعوام المقبلة أظهرت أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي، في ظلّ فرضية الستاتيكو، سترتفع إلى ١٦٨٪ في حلول العام ٢٠٢٥.

هذا الإرتفاع هو إرتفاع خطّي (Linear) بحكم أن الفرضية هي بقاء الأوضاع على ما هي، أما في حال تردّي الأوضاع (شلل سياسي، إستمرار الفساد، غياب الخطط الإقتصادية…) فإن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي سيرتفع بشكلّ إسّي (Exponential) وهذا يعني أن وتيرة الإفلاس المالي ستُصبح أسرع وسيلجأ لبنان إلى صندوق النقد الدولي المعروف بشروطه القاسية.

السيطرة على الدين العام محكومة بالميزان الأوّلي الذي يتوجب أن يكون مُستواه أعلى من خدمة الدين العام. وهنا تكمن المُشكلة، لأن الميزان الأوّلي هو نتاج الماكينة الإقتصادية وخدمة الدين العام هو نتاج السياسات المالية الماضية. وبالتالي فإن النمو الإقتصادي مُنخفض (١ إلى ٢٪) مقارنة بمستوى الفائدة على الدين العام (٦-٧٪).

وبحساب بسيط فإن كل عام هناك ٤.٥ مليار دولار أميركي تأتي من خدمة الدين العام مقارنة بـ ١ مليار دولار أميركي تأتي من النمو الإقتصادي مما يعني أن الإقتصاد اللبناني بحاجة لنمو ٩٪ لكي تستعيد الدولة الإنتظام المالي.

من هنا نرى أن خطة الحكومة بزيادة الضرائب هي خطة آنية مداها نهاية العام المُقبل وبالتالي مفعولها هو تأخير الـ judgment day. من هنا نرى أن أولوية الحكومة اللبنانية ينبغي ان تكون العمل على خطّة إقتصادية تسمح بتحفيز النمو الإقتصادي وذلك في أسرع وقت مُمكن.

التحفيز يمرّ عبر تشجيع الإستثمارات وهذا الأمر أساسي وكل ما تبقى تفاصيل. فالإستثمارات هي أساس النمو والتاريخ يُخبرنا أنه لا يوجد بلد في العالم حقق نموا إقتصاديا من دون إستثمارات. من هذا المُنطلق، نرى أن تحفيز الإستثمارات هو محور أي خطّة إقتصادية تضعها الحكومة اللبنانية.

الإقتصاد اللبناني بحاجة إلى إستثمارات بقيمة ٣٠ مليار دولار أميركي على مدى عشر سنواتلتفادي أي تضخم إصطناعي قد يقضي على الماكينة الإقتصادية.

ولا تستطيع الدولة اللبنانية بوضعها المالي الحالي، القيام بأية إستثمارات، وبالتالي فإن هذه الإستثمارات يُمكن تأمينها من عدة مصادر:

أولًا – من المصارف اللبنانية التي عبّرت عن أنه في ظل إقرار مشروع الشراكة بين القطاع العام والخاص، مُستعدّة لإستثمار ما يوازي الـ ١٥ مليار دولار أميركي. ولقياس مدى هذا الرقم يجب معرفة أن كل مليار دولار إستثمارات في الإقتصاد اللبناني تُعطي نموًا بنسبة ١٪ حاليًا أي أن إستثمارات بقيمة ٤ إلى ٥ مليار دولار أميركي في الأعوام القادمة قادرة على جلب نمو بقيمة ٥٪ في العامين المُقبلين وهذه بداية أكثر من جيدة للجم العجز.

ثانيًا – من المُغتربين اللبنانيين الذي يستثمرون في بلاد الإغتراب وبالتالي فإنهم يُشكّلون خزان إستثمارات لا يجب إهماله (عدد المغتربين اللبنانيين والمُتحدّرين من أصل لبنان يوازي ١٨ مليون شخص في العالم). ويأتي الفساد كرادع أساسي لهذه الفئة من الإستثمار في لبنان.

ثالثًا – من المُقيمين اللبنانيين، فقد بلغت قيمة الإستثمارات اللبنانية في الدولة الإقليمي المُجاروة ٦٠٠ مليون دولار أميركي وهذا يؤكد فقدان ثقة اللبناني بإقتصاده في ظلّ تفشي المحسوبية والفساد وبالتالي غياب الفرص الإقتصادية.

رابعًا – من الخليجيين الذين كانوا يُشكّلون الركن الأساسي في الإستثمارات الأجنبية المُباشرة. وقد أدّى الإنخراط اللبناني في المُشكلة السورية إلى هروب هذه الإستثمارات وبالتالي، من المفروض العمل على إعادة هذه الإستثمارات. على سبيل المثال، تُشكّل الإستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا ٢٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي مما جعل من تركيا قوّة إقتصادية هائلة.

كل هذا للقول أن على الحكومة اللبنانية وضع قوانين تهدف إلى تحفيز هؤلاء المُستثمرين وعلى رأسها:

أ‌– إقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص.

ب‌– إقرار قانون لمحاربة الفساد والهدر في المؤسسات العامّة.

ت‌– إقرار سياسة ضريبية تحفيزية لجذب الإستثمارات.

ث‌– وضع خطة تواصل مع المُغتربين اللبنانيين يكون أساسها الإسثتمار في البلد الأم.

ج‌– تحرير كل القطاعات الإنتاجية حيث للدولة اللبنانية إحتكار.

يُفترض أن هذه الإجراءات كفيلة بعودة الإستثمارات إلى لبنان بما يُشكّل رافعة للنمو خصوصا أن هناك عددا من القطاعات الإنتاجية الواعدة والتي تنمو بنسبة ٢٥٪ منذ عدة أعوام كقطاع التكنولوجيا. هذا الأمر يفرض على الحكومة إجراء محاكاة للقطاعات كافة مُعتمدة على منهجية البنك الدولي (Value Chain Analysis) والتي تأخذ بالإعتبار مكامن القوة والضعف في هيكلية الإقتصاد اللبناني وعناصر إنتاجه.

في الختام، نرى أنه يتوجّب على الحكومة اللبنانية وضع الخطّة الإقتصادية في أولويات مهامها بعد قانون الإنتخاب وذلك رأفة بالشعب اللبناني الذي بدأت عوارض الأزمة اليونانية تضربه. وإذا كانت هذه الحكومة إستطاعت تخطّي إستحقاقات فشلت في تخطيها الحكومات السابقة، إلا أن مُشكلة فصل الإقتصاد عن السياسة يبقى شبحا مُخيما على الأجواء ويُسوّد الآفق أمام الخروج من أزمة الدين العام.