يبدأ العام الدراسي في الجامعة اللبنانية على وقع تجاذب القوى السياسية حول ملف «متفجر» هو تفرغ الأساتذة المتعاقدين، في ظل استمرار التعاطي مع الجامعة كساحة للتوظيف السياسي والطائفي
لولا وجود مجلس للجامعة اللبنانية لتجرأت القوى السياسية على مفاوضة وزير التربية، مباشرة، على «لوائح حزبية» تعدّها سلفاً لتفريغ الأساتذة المتعاقدين، من دون أي دراسة حقيقية للحاجات الأكاديمية وتحديد الملاكات الثابتة لكل كلية.
هذا في الواقع ما كان يحصل أثناء تعطيل عمل المجلس على مدى 10 سنوات (من 2004 إلى 2014)، حين بلغ التدخل السياسي السافر في ملفات الجامعة حداً من الوقاحة أن تطلب المكاتب التربوية الجزبية مواعيد من الوزراء لمراجعة الأسماء والإطلاع على تفاصيل ملف أكاديمي بامتياز. وفي كل مرة كان الملف «يُنفخ» تحت ستار «التوازن الطائفي»، وهو ما ينطبق على قراري التفرغ عامي 2008 و2014 .
اليوم، مع عودة مجلس الجامعة إلى العمل، انتقلت المعركة إلى داخله. ففي وقت يصرّ رئيس الجامعة فؤاد أيوب وفريقه السياسي (حركة أمل وحزب الله) على وضع ملف التفرغ على نار حامية تحت عنوان أنّ الجامعة «أنجزت ملفاً نظيفاً متوازناً أكاديمياً ينصف المستحقين في كل الاختصاصات، ويراعي الشروط والمعايير القانونية»، يرفض كل من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية تمريره ما لم يكن «متوازناً طائفياً بين المسيحيين والمسلمين والسنّة والشيعة».
وفي هذا الإطار، تُقاطع الأحزاب الثلاثة جلسة مجلس الجامعة، المقررة اليوم، بهدف تطيير نصابها للمرة الثانية. وهذا ما عبّر عنه المسؤول التربوي في التيار الوطني الحر، روك مهنا، مشيراً إلى أنّ هناك توافقاً على «إسقاط الملف في مجلس الجامعة قبل مجلس الوزراء، تارة بتعطيل النصاب وتارة بالتصويت ضده». وبدا حاسماً بأن «الملف المطروح حالياً على طاولة مجلس الجامعة هو نفسه الذي صوتّنا ضده عام 2018، أي 570 اسماً فقط، وبالتالي لن يمر، ولن نسمح بإقرار ملف يضم 80% مسلمين مقابل 20% مسيحيين». ما أعلنه مهنا صراحة، لمّح إليه ممثل أساتذة كلية العلوم في مجلس الجامعة، إيلي الحاج موسى (قوات لبنانية) من باب «أننا لا نستطيع أن نبحث قضية لم نطّلع على تفاصيلها قبل 24 ساعة على الأقل، فرئاسة الجامعة تكتمت عن الأسماء ولم تسمح لأعضاء المجلس بالاطلاع عليها قبل الجلسة، وليس في حوزتنا أي من المستندات المتعلقة بملفات الأساتذة بحجة ضبط السرية، وبالتالي فإنّ كل عضو في المجلس يعرف ما حصل في كليته فقط دون الكليات الأخرى، في حين أننا كأعضاء في أحزاب سياسية يجب أن نأخذ فكرة عما حصل في كل الكليات!».
بالنسبة إلى الحاج موسى، التوازن الطائفي مهم لسبب واحد وهو ضمان إقرار الملف في مجلس الوزراء، داعياً إلى التروّي واتباع المرونة في إعداد ملف جديد يحقق الحد الأدنى من التوازن الذي يستحيل أن يتحقق إذا طبقت المعايير والشروط نفسها على جميع الأساتذة، لا سيما بالنسبة إلى اشتراط نصاب 200 ساعة، ومرور سنتين على التعاقد، وهناك طرح برفع عدد المرشحين للتفرغ إلى 950 أستاذا وإيجاد مصادر لتمويل تفريغهم، بدلاً من أن يقتصر عدد المتفرغين على 710 أساتذة «غير متوازنين» لمجرد الإصرار على تفريغهم من موازنة الجامعة. أما مصادر تيار المستقبل فرفضت التعليق على كل ما يحكى بشأن القضية، «حرصاً على حماية دور الجامعة وأساتذتها وطلابها وكي ينضج الملف بهدوء ولا تحترق الطبخة».
التيار الوطني الحر: لن نسمح بإقرار ملف يضم 80% مسلمين مقابل 20% مسيحيين
ووسط التهويل بأنّ تمرير ملف «غير ميثاقي» سيضرب التعددية والتنوع والوحدة الوطنية، يناصر رئيس الجامعة إقرار «الملف النظيف»، كما يسميه، والذي يتضمن 570 أستاذاً يستوفون كل الشروط، ومن ضمنهم 149 استاذاً مستحقين استثنوا من ملف التفرغ عام 2014، مؤكداً أنّه بات يضم 710 أساتذة بعد إضافة 140 اسماً يتوافر فيها التوازن الطائفي، علماً بأنّ كل الأسماء رفعت بواسطة المجالس التمثيلية، ووافق عليها عمداء الكليات وممثلو الأساتذة. وكشف أنّه سيطرح صيغة تقسيم الملف إلى قسمين، ليتم تفريغ القسم الأول في 2019، والقسم الثاني في 2020، على أن يذكر ذلك قي قرار التفرغ. وبدا الرئيس متفائلاً بانعقاد الجلسة اليوم، مستغرباً الطلب منه ارسال الملفات الكترونياً قبل موعد الجلسة، في خرق واضح للسرية التي تعمل المؤسسة بموجبها.
هل صحيح أن هناك من اقترح عليكم تحويل الملف مباشرة إلى وزير التربية إذا استمر تعطيل النصاب في مجلس الجامعة؟ يقول أيوب «إنني لم أقدم خلال ولايتي على أي تدبير غير قانوني، فإذا كان هذا الإجراء غير قانوني، لن أقوم به».
المتعاقدون المرشحون للتفرغ هم الحلقة الأضعف في هذا الجدل، خصوصاً أنّهم استخدموا وقوداً في الانتخابات الأخيرة لممثلي الأساتذة في مجلس الجامعة مقابل «تخديرهم» بإنجاز الملف بأسرع وقت. وهم ينفذون اليوم، وقفة احتجاجية أمام الإدارة المركزية للجامعة تزامناً مع انعقاد الجلسة.