لبنان يعاني، فوق كل الأزمات والمخاطر والبلاوي، سياسة التفاهة. ولا شيء يقتل أكثر من السخافة حسب مثل فرنسي. ولا أحد يعرف كيف يمكن أن تمارس التركيبة السياسية قمة الغطرسة على الناس، وهي في قعر الارتهان للقوى الخارجية. ولا كيف تراهن على ما تجهله أو ما في ايدي سواها، وهي تدور في الفراغ، وتتحرك بالعصبيات دون مستوى السياسة، وتتدافع في زحام المال والسلطة، حيث لم يبق مال ولا سلطة. لكن الكل يعرف ان التكرار اليومي لمواقف لا تغير ولا تبدل أي شيء، هو اعلى مراحل التفاهة. وعلى طريقة اندريه بروتون في اختراع الانتظار، فان التركيبة السياسية تعيش على اختراع المواعيد.
وليس من الضروري ان تكون مواعيد ايلول مختلفة عن المواعيد التي سبقتها. لا بالنسبة الى الحوار بين رؤساء الكتل النيابية والحوار الثاني بين حزب الله وتيار المستقبل. ولا بالنسبة الى الموعد الخامس والاربعين لجلسة انتخاب رئيس. ولا حتى بالنسبة الى جلسات مجلس الوزراء الضائعة بين المقاطعة وبين سفرات الرئيس تمام سلام الى مواعيد واجتماعات في الخارج.
ذلك ان الحوار لا يزال منذ عشر سنين مناظرات من دون انتاج أي مشروع جدي، واذا حدث توافق على مشروع مثل اعلان بعبدا فان التنصل منه أسرع من التوافق عليه. وسقف الحوار الثنائي هو السعي لمنع الفتنة المذهبية من الامتداد الى لبنان، وبالتالي المفاخرة باننا لم ننزلق الى التقاتل بالسلاح. والثابت هو الشغور الرئاسي الذي يساهم في تعميق المتغيرات الخطرة والخطيرة على لبنان. والمشكلة ان الحكومة السيئة والعاجزة والمفروضة علينا في غياب الرئيس يتم حشرها بين خيارين هما: الاستقالة أو العطالة.
وقمة الازمات حاليا هي ازمة الميثاقية التي تدور الخلافات على تفسيرها. لكن الواضح ان المعركة الملائمة لسلاح الميثاقية ليس التمديد لقائد الجيش أو تعيين قائد جديد. حتى في قصة الرئاسة التي هي اساس الميثاقية، فان الحديث الطبيعي ليس عن رئيس ميثاقي وآخر غير ميثاقي بل عن رئيس جيد او سيئ، ترتاح اليه مكونات المجتمع ويعرف كيف يدير الشراكة الوطنية او لا. فضلا عن ان الرئاسة ليست حقا لأي شخص، وان كان يستحقها، بل مسؤولية تلقى على كاهل من تختاره الاكثرية النيابية.
في مقال عن معنى انتخابات ٢٠١٦ الرئاسية الاميركية يطرح فرنسيس فوكوياما سؤالا مهما: هل تخرج اميركا من الفيتو كراسي؟ وما يحدث في لبنان هو اسوأ نموذج لتبادل التعطيل وقدرة كل مكون على ممارسة الفيتو كراسي.