في العام 1943 نال لبنان استقلاله بعد نضال طويل. خرج منه العثمانيون والفرنسيون بعد عصور وعقود طويلة من الاحتلال والانتداب.
كان في لبنان حينذاك على الصعيد السياسي فئتان: الأولى مسلمة تنادي كلها بالاستقلال، والثانية مسيحية، البعض منها كان مع الاستقلال، والبعض الآخر مع إبقاء الانتداب الفرنسي. ولما كان لا بد من التوصل إلى تسوية، فقد أصر المسيحيون على أن يتخلى المسلمون عن المطالبة بالوحدة العربية أو بالاتحاد، فينضموا هم إلى المسلمين في نضالهم لنيل الاستقلال. فسمي هذا التزاوج بالميثاق الوطني. فالميثاق، إذن، تعبير مرادف للاستقلال وللسيادة، ومعه أصبحت فرنسا لا ارتباط لها مع لبنان، وأصبح لبنان دولة عربية الوجه لتميزها عن سائر الدول العربية. اعتمد لبنان النظام البرلماني الديموقراطي وكذلك النظام الاقتصادي الحر.
هنا تعود بي الذاكرة إلى مؤتمر الطائف الذي جمع النواب اللبنانيين ليبقوا إلى حين التوصل إلى اتفاق يتناول تعديلات في الدستور. رفض النواب المجتمعون يومها وصف الاتفاق بالميثاق الثاني وأسموه «وثيقة الوفاق الوطني».
ما تقدم يعرفه كل من تعاطى السياسة في لبنان ومفروض أن يعرفه كل من يدخل عالم السياسة اللبنانية، فهو من بديهيات الأمور. وليسمح لي معالي وزير الديبلوماسية هنا أن أتمنى عليه عدم ذكر كلمة الميثاقية في تناوله مواضيع السياسة في لبنان. هذه واحدة. أما الثانية فتتعلق بتهديده بالنزول إلى الشارع إذا كانت لغيره من الساسة مواقف مناقضة لآرائه.
لبنان غني بشوارعه، ولكل شارع اتجاه سياسي أو عقائدي يختلف عن الآخر. كما لمعظم السياسيين شوارعهم. فهل يريد وزير الديبلوماسية أن ينقل الصراع إلى الشوارع؟
إنها لعبة خطرة تذكرنا بانقلاب السحر على الساحر. نصيحتي لمعاليه أن يرتفع في سجالاته وأن يبقي الكلام في إطار الموضوعية والاعتدال.
إذن كلمة «الميثاقية» معقودة اللواء للميثاق الوطني اللبناني الذي تحقق في العام 1943.
ونصيحتي الثانية لمعاليه هي أن يتوقف عن استعمال كلمة «الميثاقية» في حواره أو سجالاته مع الآخرين خصوصاً عبر شاشة التلفزة. إن ظهوره المتواصل على الشاشة وكلامه عن السياسة الميثاقية قد تسببا في خسارته العديد من المؤيدين له ولتياره.
تواضع يا معالي الوزير، فمن تواضع لله رفعه، تماماً كمن يتواضع أمام الشعب. خذ هذه الكلمات مني بمحبة، فقد أمضيت في العمل العام ما يزيد عن خمس وخمسين سنة قضيتها عضواً مستشاراً في جمعية التجار، ونائباً لرئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان، وعضواً في المجلس البلدي لمدينة بيروت على مدى سبع وثلاثين سنة، كلها كانت لي ينابيع خبرة على الأرض وزاداً مفيداً جداً في نيابتي خلال ثمانية وعشرين عاماً، مكنتني من إدارة وتحمل مسؤولية ثماني وزارات في حكومات لبنانية.
معالي الوزير، كأس ميثاقيتك مرّة وكأس الميثاق اللبناني الوطني حلوة، فابتعد عن الأولى وتقرب من الثانية، فذلك أفضل لك وأنفع.