الأزمات والحلول مع روبوت الذكاء الإصطناعي
إنه زمن حكامنا – البشر في الشكل – الفاشلين، في زمن بات فيه الذكاء الإصطناعي البعد والقاعدة والمبنى والمعنى. إنه زمن لا يزال فيه اللبنانيون بلا كهرباء وماء ودواء وحياة. إنه زمن الزلازل التي تتواطأ على اللبنانيين وكأن لا ينقصهم «هزات بدن». فإلى من يلجأون؟ إلى السياسيين؟ حدّث ولا حرج عن بلادة هؤلاء في إنتاج حلول إلى فساد كثيرين كثيرين منهم. إنه الزمن الأسود القاتم المظلم في حياة البشر هنا. فهل لدى روبوتات الذكاء الإصطناعي حلول عجز عنها غباء الحكام البلا دم؟ سألنا الروبوتات عن لبنان؟ عن الحلول الممكنة للبنان؟ حاورنا روبوتات chat GPT وchat Al فكيف أتت أجوبة أصحاب الذكاء الإصطناعي؟ وماذا يقول خبراء هذا النوع من الذكاء؟
لبنان في كلام الروبوتات يُشبه لبناننا فقط في الجغرافيا: “هو بلد صغير في منطقة الشرق الأوسط واقع- لسوء حظنا- بين سوريا وإسرائيل. ويبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة، ينتمون الى طوائف عديدة. هو بلد صغير جغرافياً لكنه كبير ثقافياً، يجد فيه الزائر شيئاً من كل شيء، من البحر الى الجبال، ولكل بقعة تنوعها وتقاليدها وثقافتها، من الرقص الى الغناء الى الطعام. وهناك مغتربون كثيرون يشغل عدد منهم مواقع القرار في العالم سياسياً وأكاديمياً وثقافياً. ويعتمد اقتصاد لبنان على السياحة والمصارف”. نتمهل في الحوار مع الأذكياء إصطناعياً لنتذكر حالنا مع مصارف باتت “دكاكين” ميتة مقفلة، قد تتوقف البنوك المراسلة قريباً عن التعامل معها، ومع سياسيين وقضاة يدمرون ما صمد منها.
باسيل؟ أعرفه.
عون؟ لا.
يقال أن الروبوتات ستأخذ مكان البشر في الوظائف وتفكر وتتصرف أفضل منهم ولديها حلول أفضل منهم. فلنتابع. نحاول أن نمازح الروبوت فنسأله إخبارنا نكتة عن لبنان واللبنانيين فتتفتق عبقريته. يخبرنا: “كم يحتاج تغيير لمبة معطلة في لبنان؟ ومن دون ان ينتظر الإجابة يتابع: ولا واحد لأن الكهرباء مقطوعة عادة في لبنان”. نضحك أو نبكي؟ وقبل أن نأخذ القرار يسارع بتلاوة نكتة أخرى: “هل تعلمون لماذا لم يحصل لبنان على جائزة نوبل؟ لأن لا فئة فيها عن الشعوب الأكثر مرونة في العالم”. لا نعرف ما إذا كانت هذه مسخرة أم مفخرة؟
الذكاء الإصطناعي رسم كل دولة بشكلِ حيوان. لبنان رسمه على شكل كتكوت صغير مكسور الجناح والدنيا غدرت به. يا حرام. هو ذكي كفاية ليُحدد البعد اللبناني في رسم حيوان. جربوا ذلك. أطلبوا منه أن يرسم لبنان وستتفاجأون. نسأل الروبوت عن مصيرنا مع الزلازل والهزات فيجيبنا: “عن موقع لبنان الجغرافي والتكتوني السيئ وعن أجزاء فيه واقعة على فيالق وعن دراسات تدل على أمكانية حدوث زلازل كل عشرين عاماً خصوصاً في منطقة البقاع وعن خط البحر الميت”. معلومات قديمة جددها على مسامعنا. نسأله عن رئيس جمهورية لبنان؟ فيجيبنا “لم أفهم سؤالكم”. هو خالنا نمازحه مجدداً. نسأله إذا كان يعرف ميشال عون فيجيب “لا، لا أعرفه”. نشرح له؟ تجاوزنا السؤال الى سؤال آخر: “هل تعرف جبران باسيل؟ فيجيب بسؤال: “وكأنه رئيس للجمهورية؟ هو رئيس التيار الوطني الحر. كان وزيراً للخارجية. مؤثر ومثير للجدل في المنطقة”. يدرك الروبوت ان سياسيين يختزلون سياسيين في بلادنا. هو ذكي.
الثورة الرابعة
قبل أن نتابع طرح أسئلتنا على “شات جي بي تي” وروبوتات الذكاء الإصطناعي سألنا منوّر محمد، رئيس “كوبي أرابيا لصناعة المحتوى” عن كل ما نراه من ذكاء إصطناعي خارق. وكيف يمكننا بالفعل التعامل معه وأخذ المعلومة منه؟ يجيب “نعرف أن الصناعة مرّت بأربع ثورات، وها قد وصلنا في الذكاء الإصطناعي الى الثورة الصناعية الرابعة. بدأت منذ أواخر التسعينات واقتحمناها في لبنان منذ بدايات الألفين. وبدأ عصر البريد الإلكتروني. جميعنا نستخدمه. وهو يكوّن معلومات حول من نرسل له إيميلاً. فإذا كتبنا في إيميلات سابقة Hi Sis وجهناها الى شقيقاتنا فهو تلقائياً يكتب لها. وإذا أرسلنا إيميلاً وكتبنا Find attached ونسينا ربط الملصق فيقول لنا: لحظة، ليس في البريد ملصق. الذكاء الإلكتروني بدأ يُسهّل حياتنا مستخدماً المعلومات والبيانات المخزنة فيه وهو ما يسمى machine learning الذي تطور حالياً الى Deep learning أي أنه بدأ يدخل في تفاصيل التفاصيل. شات جي بي تي بدأ يُشكل عملياً خطورة على فكرة محركات البحث، فبدل أن ندخل الى محرك البحث غوغل ونطلب منه إعطاءنا معلومات عن أسعار العقارات في منطقة معينة ونقلّب بين الصفحات أصبحنا قادرين على جمع المعلومات في جواب واحد. لكن السؤال، هل تكون الإجابة شافية كافية؟ وماذا يضمن أن تكون صحيحة مئة في المئة؟
جوابي، “لا شيء يضمن ذلك”.
نطلب تفسيراً أكثر من منور محمد فيجيب “هناك من بدأوا يتعاملون مع الإجابات الذكية وكأنها صحيحة مئة في المئة ولا تحتمل الشك والجدال،غير مدركين أنه يعتمد على عنصر أساسي هو التراكمية في المعلومات من دون التوغل في صحتها. فلنأخذ مثلاً المعلومات حول المهاتما غاندي. 99 في المئة منها تتحدث عن حسناته وأنه يكاد يكون قديساً في حين أن هناك تقارير- ولو قليلة – تتحدث عن موبقات قام بها. وهذه المعلومات الشحيحة قد لا تطفو على سطح جي بي تي. وحده محرك البحث والتوقف عند كل سطر والتوغل في المعلومات قادر أن يعطينا المعلومات الصحيحة. ومعلوم أن الإنسان، بطبيعته البشرية، كسول وقد يأخذ المعلومات السطحية التي تمنحه إياها روبوتات المحادثة والذكاء الإصطناعي عوض أن يبحث هو بشكل أكثر دقة ويمحص فيها. التعامل مع جي بي تي طبعاً أسهل من محرك البحث اليدوي لكنه أقل دقة. ويستطرد منور بالقول “غوغل بدأت تعمل على الدمج بين الإثنين وتطوير نفسها لأنها تعلم اهمية ذلك مثل الفراشة التي تتحول من دودة الى شرنقة الى فراشة”.
خربطات
نعود الى شات جي بي تي لندردش معاً. نسأل الروبوت الذكي: من هو السياسي اللبناني الذي يعمل برأيك لمصلحة لبنان ومن فيه؟ فيجيب في ثوان: “أعتذر، من غير الممكن الإجابة. تحديد السياسي الجيد في لبنان يعتمد على معايير عدة تختلف بين جماعة وجماعة أخرى. في كل حال، هناك من يعتبرون أن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري كان القائد الأبرز ديموقراطياً وتنموياً”. نسأل عن غادة عون وهنا نتفاجأ بإجابة لم نتوقعها: “إنها سياسية لبنانية ووزيرة الخارجية والمغتربين في حكومة رئيس الحكومة السابق حسان دياب. وشغلت موقع وزارة الشؤون الإجتماعية بين عامي 2016 و2020”. حتى شات جي بي تي ضاع حين ذكرنا له اسم غادة عون. غريب.
نسأل من يدردش معنا عبر شات جي بي تي: كيف يرى إمكانية حلّ الأزمة في لبنان؟ وتأتي الإجابة صاعقة: “لم أفهم السؤال”. نعيد صياغته فيجيب: “لا أرى حلولاً في الأفق”. يبدو ان الأزمة اللبنانية باتت عصيّة حتى على الذكاء الإصطناعي.
نأخذ ونعطي. نسأل عن أسماء أبرز القادة في لبنان فيجيبنا: “سعد الحريري، فؤاد السنيورة، وليد جنبلاط، نجيب ميقاتي، سمير جعجع، ونبيه بري”. نسأله عن حسن نصرالله فيجيبنا عن نبيه بري. نسأله عن مستقبل لبنان فيجيبنا: “مستقبل لبنان، البلد المثقل بالأزمات، غير واضح”. نطلب منه ايضاحات اكثر فيجيبنا: “مستويات المجاعة ترتفع بشكل جنوني. والبلد ينتظر مساعدة – او مساعدات – من الخارج لكن الإصلاحات الداخلية والمصالحات السياسية مطلوبة”. نشعر بالمتحدث الذكي وكأنه يريد أن يقول لنا: أحبوا بعضكم لتنجوا.ماذا بعد؟
هل سيأتي يوم يأخذ فيه “شات جي بي تي” دور السياسيين؟ يا ليت ذلك، وليكن دور المصرفيين والسياسيين في لبنان. من يدري، كل شيء ممكن. في المقلب الآخر، موظفون كثيرون يسمعون أيضاً أن هذا الآتي باسم الذكاء الإصطناعي سيحلّ مكانهم. في كل حال، محدثنا الروبوت الذكي، قادر أن يكتب مقالاً مدهشاً. ولا نعرف إذا كان سيبقى للصحافيين- ونحن منهم- لزوم. وهو قادر أن يكتب الشعر. طالبناه أن يكتب شيئاً عن لبنان فكتب بالإنكليزية على ايقاع ونغمة واحدة ما معناه: الشعب اللبناني متّحد وقوي… أمّة فخورة تحيا طويلاً…
Lebanese people, united and strong/ A proud nation, standing so long…
هو شعر طويل طويل ذات قافية ووزن لكنه، مثل الشعر العربي، فيه نفاق ومبالغة وكذب… نكاد نشعر أن النفاق البشري الواقعي غلب روبوتات الذكاء الإصطناعي فقلدوه.
يبقى أمر أخير، شات جي بي تي، لمن لا يعرف، لا يمكن الإتكال عليه في المعلومات الآنية لأنها “غير محدثة يومياً، بعكس غوغل، بل قد يستغرق الأمر أياماً”. سأله منور محمد، على سبيل المثال لا الحصر، عن سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي فأجابه: “آسف لست قادراً على الإجابة. لا أملك القدرة على الإتصال بمصادر الصرف الحيّة”. عاد وطرح نفس السؤال على غوغل فأجابه بدقة. ترى لهذا السبب حين سألنا الروبوت الإصطناعي عن رئيس جمهورية لبنان أجاب: جبران باسيل؟
هو عالم جديد نحن فيه، عالم المستقبل حالياً، جربناه ونترك لكم الإنطباع.