ميرفت سيوفي- ثرثرة على منبر الأمم المتحدة
مثير للشفقة منبر الأمم المتحدة، تتكدّس تحت كلّ الخطابات جثث الشعوب المقتولة منذ فلسطين وحتى اليوم، تتساقط عنه ثرثرات كلام يجتر كلّ القضايا الدامية، أفضل مكان في العالم للشجب والاستنكار والقلق والهواجس والمخاوف هو هذا اللقاء «السريالي» في مؤسسة أنشئت بالأساس ـ كما قيل ـ لمنع نشوب حرب عالميّة، فازدهرت الحروب برعاية هذه الأمم كلّها!
فلسطين وحدها وحكايتها المأساوية، وقضيتها التي تتعرض اليوم لتصفية علنيّة كفيلة لاعتبار من لا يزال أن يجد حلاً لقضاياه عبر قرارات محفل الأمم المتجمهرة هناك، هذا المشهد السخيف يتكرّر ويتكرّر منذ عقود، وهذا العبث بأرواح الشعوب مستمرّ، المهرّجون يتوالون على المنبر يخادعون الله والناس وشعوبهم وأنفسهم، يكادون يردمون تحت ركام الكلام الذي يتكدّس في مبنى «الجمعيّة الخيريّة المتحدّة»!
للمناسبة، لا يستحق هذا المشهد إلا استعادة قصيدة فيروز «سافرت القضيّة» التي غنّتها العام 1968 خلال إفتتاح مسرحية «الشخص»، حيث لا يزال الـ «بائسونَ يبحثونَ عن سلامْ، والجوعُ في ملاجئِ المشردين ينامْ، والرياحُ لا تزالْ تقتلِعُ الخيامْ»، باختصار، هذه هي حقيقة المشهد العاري على منبر الجمعية العمومية حيث علت السخرية بالأمس من «المهرّج الكبير» وهو يكيل المديح لإنجازات عامين من عهده!!
«سافرتِ القضية تعرُضُ شكواها
في رُدهَةِ المحاكمِ الدَّوْلية
وكانت الجمعية قد خصصتِ الجلسة
للبحثِ في قضيةِ القضية
وجاء مندوبون عن سائرِ الأممْ
جاؤوا من الأمم
من دول الشِّمال والجنوب
والدولِ الصغيرة
والدولِ الكبيرة
واجتمع الجميع في جلسةٍ رسمية
وكانت الجمعية قد خصّصتِ الجلسة
للبحثِ في قضيةِ القضية
وخطَبَ الأمينُ العام،
حكى عن السلام
وبحث الأعضاءُ الموضوع
وطُرِحَ المشروعْ
عدالةُ القضية، حريةُ الشعوب
كرامةُ الإنسان، وشُرعةُ الحقوق،
وقفُ إطلاق النارْ، إنهاءِ النزاع،
التصويتْ، التوصيات،
البتُ في المشاكلِ المعلقة
الإجماعْ!
وصرّحت مصادرٌ موثوقة
نقلاً عن المراجع المُطَّلعة،
ودَرستِ الهيئة، وارتأتِ الهيئة
وقَرَّرتِ الهيئة إرسالَ مبعوثْ
وصرّحَ المبعوث بأنه مبعوثْ
من قِبَلِ المصادرْ
وأنَّ حلاً ما في طريقِ الحلّْ،
وحين جاء الليلْ
كان القُضاةُ تعِبوا
أتعبَهم طولُ النِقاش
فأغلقوا الدفاترْ، وذهبوا للنوم…
وذهبوا للنوم!
وكان في الخارجْ صوتُ شتاءِ وظلامْ
وبائسونَ يبحثونَ عن سلامْ
والجوعُ في ملاجئِ المشردين ينامْ…
وكانتِ الرياحُ لاتزالْ تقتلِعُ الخيامْ! «…
منذ نصف قرن، لم يتغيّر شيء، ولن يتغيّر، وستظلّ الهيئة تقَرَّر إرسالَ مبعوثْ، وسيظلّ المبعوث يصرّحَ أنّه مبعوث، من فلسطين إلى لبنان، إلى العراق، إلى السودان، إلى سوريا، إلى اليمن» وستظل الأمم المتحدة تعبّر عن قلقها، وفي أحسن أحوالها ستدّعي «أنَّ حلاً ما في طريقِ الحلّْ»!