عند تغيير الدول احفظ رأسك… هي حكمة موروثة وصالحة في كل زمان ومكان. وعندما تكون الأوضاع عاصفة في المنطقة العربية من أدناها الى أقصاها على هذه الدرجة من العتو، فإنها إن لم تكن هي زمن تغيير الدول، فماذا تكون؟ ورأس الحكمة هو أن يعرف لبنان حده ويقف عنده، لا سيما في هذه الآونة بالذات حيث ترتفع حرارة الرؤوس الحامية في الداخل اللبناني وخارجه. واذا كانت بهورات الزجل السياسي مقبولة ومسموحا بها في أوقات السلم، أو في الأزمان الملتبسة بين اللاسلم واللاحرب، فإنها محرمة، وينبغي أن تكون في مرتبة التابو، مع تدهور الأوضاع العامة في المنطقة بأسرها، وتتحول الى ما يشبه الهستيريا الدموية والتدميرية. وكان لبنان منذ قيامه ونشأته دولة هشة بكل المعايير التي تقاس بها الدول. ومن الأخطاء الجينية في تركيبته منذ بدايات تكوينه أن الثقافة التي رضعت منها أجياله المتعاقبة هي أن قوة لبنان في ضعفه! وعندما أراد الخروج من هذه الثقافة المذلة، أقدم البعض وتخاذل البعض الآخر، ولم تجعل من هذا التوجه ثقافة موحدة للجميع.
الأزمة التي يواجهها لبنان اليوم، قد لا تكون عابرة، وقد تحمل في طياتها أخطاراً كيانية على وجوده. وقد اختار لبنان بإجماعه الوطني وبإرادته الحرة أن يكون عربي الانتماء في نص ملزم في الدستور. وهو خيار وطني وقومي ينبع من عمق الضمير اللبناني، وليس سلعة قابلة للأخذ والعطاء والمساومة، ولا للبيع والشراء… وهذا يعني ان لبنان يكون عربياً لقاء ثمن يدفع له عن طريق الهدايا والهبات، وانه لا يكون عربياً في حال التمنع عن الدفع! والطريق الى الخروج من المأزق الجديد يكون بوحي ما اشار اليه حكيم لبنان الرئيس نبيه بري، بالتوقف عن الثرثرة، وبضرورة انعقاد مجلس الوزراء لاعادة تثبيت سياسة لبنان الخارجية، والتمسك بالاجماع العربي في ما يتعلق بالقضايا المشتركة، وبصدور موقف موحد للحكومة بجميع مكوناتها، والنأي بالنفس في ما يتعلق بالأزمة السورية….