التطوّرات الأخيرة، وفشل أوبك في الاتفاق على سقف إنتاج النفط ليست المرة الأولى في تاريخ الكارتل، إذ إنها في العام ٢٠١١ فشلت في التوصّل الى اتفاق حين دفعت السعودية المجموعة الى زيادة الإنتاج لتفادي ارتفاع الأسعار في خضم الانتفاضة الليبية وتبعاتها على سوق النفط.
قال الأمين العام لمنظمة «اوبك» عبد الله البدري إنّ أوبك لا تستطيع أن توافق على أية أرقام لا سيما وأنها لا تستطيع التكهن بكمية النفط الني ستضعها إيران في السوق العام المقبل بعد أن سحبت العقوبات منها في إطار الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه قبل ستة أشهر مع القوى العالمية بشأن برنامجها النووي.
هذا وأوضحت إيران موقفها عندما أعلن الوزير الإيراني أنّ طهران سوف تزيد امداداتها بما لا يقلّ عن ١ مليون برميل يومياً، أيْ ما يعادل ١ بالمئة من العرض العالمي مع العلم أنّ الإمدادات العالمية بالفعل تزيد بمعدل ٢ مليون برميل عن كمية الاستهلاك بما يعني أنّ الأسعار معرّضة والوضع هكذا الى مزيد من التدهور.
وللعلم يشكل الكارتل ثلثَ الإنتاج العالمي للنفط ولا يشمل روسيا والولايات المتحدة واللتين تنافسا السعودية كأكبر منتجين للنفط. وجاء قرار أوبك ليترك الحرّية للفرقاء في تقدير كمية ضخّ النفط الخام وهي إشارة قوية بأنّ أوبك مقوّضة القدرة على العمل كمجموعة في جهودها الرامية الى التأثير في العرض والطلب وفي الاسعار بحدِّ ذاتها.
هذا والولايات المتحدة وروسيا يلعبان دوراً متزايداً ولا تشكل الأوبك سوى ٣٥ بالمئة من السوق العالمية ما يعني أنه ما زال هناك ٦٥ بالمئة يستطيعون التأثير في اسعار النفط- وجاءت محاولات السعودية السنة الماضية بعدم تخفيض الانتاج ووضع استراتجية يُراد بها زيادة الكلفة على الدول المنافسة، مثل الولايات المتحدة المنتجة للـ Shale، ووضعها خارج نطاق المنافسة ما يعني تراجعاً في العرض وزيادة في الاسعار، ومن الواضح أنّ الخطة لم تنجح لا سيما مع انخفاض النفط الخام الأميركي أكثر من ٤٠ بالمئة عن السنة الماضية.
وانخفاض أسعار النفط خلقت ضغوطاً متزايدة على الميزانية والناتج المحلي الإجمالي في العديد من دول منظمة أوبك. وتفيد بيانات البنك الدولي أنّ دول الخليج العربي لا تزال لديها احتياطات ضخمة تمكنها من تحمّل العجز على مدى السنتين المقبلتين ودائماً حسب الصندوق الدولي وتقديراته يُتوقع أن تشهد هذه الدول نموّاً في إجمالي الناتج المحلي في العام ٢٠١٥ وقد تكون المشكلة الكبيرة في السعودية هي زيادة الانفاق الحكومي والنفقات على الطرق وبرامج الرعاية الصحّية
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإنه من المتوقع أن يصل الإنفاق الحكومي الى نسبة ٥٠،٤ بالمئة من الناتج في العام ٢٠١٥ أيْ بزيادة تقدّر بحوالى ١٠ بالمئة عمّا كانت عليه في العام ٢٠١٤ وتُعزى هذه الزيادة الى أمرين اثنين وهما: انخفاض أسعار البترول وتضخم الميزانية. وليس سرّاً القول إنّ جزءاً كبيراً من السعوديين يعتمد على الحكومة لتوفير الدعم الاقتصادي بشكل مباشر او غير مباشر.
وإذا كانت دول الخليج وما لديها من احتياط عملات قادرة على تحمّل هذا التدنّي بسعر النفط فالدول الاعضاء الباقية مثل إيران والعراق ونيجيريا وبسبب أعداد سكانها الكبير ليس لديها القدرة على المناورة بالطريقة نفسها.
كذلك روسيا وهي إحدى أكبر منتجي النفط في العالم واقتصادها يعتمد على عوائد الطاقة، النفط والغاز بنسبة ٧٠ بالمئة من عائدات التصدير وللعلم تخسر روسيا حوالى ٢ مليار دولار في الإيرادات مقابل كلّ دولار انخفاض في سعر النفط وعلى الرغم من ذلك ومن تحذيرات المؤسسات الدولية من تراجع الاقتصاد الدولي في العام ٢٠١٥ أكدت روسيا أنها لن تخفّض الإنتاج لدعم أسعار النفط ما يعني أنه وبسبب الأثر المزدوج لانخفاض أسعار النفط والعقوبات قد تضطر الحكومة الروسية الى خفض الانفاق والتخلّي عن الكثير من البرامج.
أضف الى ذلك ارتفاع أسعار الفوائد التي سوف تقوّض الاقتصاد الروسي وتصعّب على الشركات الاقتراض والانفاق. هذا ونموّ إنتاج البترول في أميركا الشمالية خصوصاً يبدو مذهلاً وبلغ أوجه مع استخراج النفط والغاز من الصخر الزيتي ما ساعد في انخفاض أسعار البترول.
لذلك قد تكون أوروبا وآسيا أكثر المستفيدين من هذا الانخفاض ولا سيما أنّ أوروبا تشهد انخفاضاً في التضخم وضعفاً في النموّ ما يعني استفادة للمستهلكين من انخفاض في أسعار النفط ويساوي ٠،١ بالمئة زيادة في الانتاج.
أما دول آسيا وبالاجمال فاستفادت بشكل كبير من هذا الانخفاض لا سيما الصين والتي اصبحت أكبر مستورد صافٍ للنفط واليابان الني تستورد قرابة كلّ نفطها الذي تستخدمه علماً أنّ أسعار الطاقة المرتفعة تساعد الى حدٍّ بعيد في زيادة التضخّم والذي كان يشكل حيّزاً هاماً من سياسة Abe لزيادة النموّ ومحاربة الانكماش.
والسؤال الذي يطرح نفسه لا سيما وأنّ انخفاض الأسعار يؤثر عالمياً في الدول اجمع. لماذا هذا الانخفاض السريع في أسعار النفط وفي هذا الوقت بالتحديد. قد يكون الجواب الاسهل هو أنّ هناك أموراً جيوبوليتيكية مقصودة، أما الجواب الأصحّ فهو مجرّد اقتصادياً من العرض والطلب.
فالولايات المتحدة ضاعفت تقريباً الانتاج المحلي خلال السنوات الست الماضية والنفط السعودي واليمني والجزائري والذي كان يُباع في الأسواق الأميركية بدأ ينافس في الأسواق الآسيوية ما يعني أنهم مجبرون على تخفيض الأسعار كذلك النفط الكندي والعراقي والذي زاد إنتاجه وتصديره سنة بعد سنة كذلك وكما سبق وذكرنا فإنّ الروس ورغم مشكلاتهم الاقتصادية ما زالوا مستعدين لزيادة العرض، هذا من جهة. أما من جهة الطلب المتراجع فمرده الى اقتصاد اوروبي مترنّح كذلك الدول النامية والتي تعاني من مشكلات متزايدة ما يعني أنّ الطلب يتراجع.
الجواب الجيوبوليتيكي واضح وتفسيره على الارجح رغبة السعودية في ضرب اقتصاد روسيا وإيران كذلك الولايات المتحدة الاميركية إنما لا يوجد أيّ دليل واضح يؤيّد نظرية المؤامرة هذه.
هذه التداعيات وخطورتها ووجود الضغوط المالية تستدعي إعادة النظر بكلّ هذه الاسباب إنما قد لا يكون الأمر في وقت قريب، وقد ينتظر تعافي الطلب على الوقود في بعض البلدان ما يسهم في انتعاش الاسعار خلال الاعوام المقبلة.