IMLebanon

شيكات مؤجّلة

 

تتصاعد الأزمة الاقتصادية الداخليّة وتشتدّ، لا يحتاج اللبناني ل إلى تقارير إخباريّة ولا تحليلات صحافيّة ولا تطمينات مصرفيّة ولا أي نوع من أنواع «الجعدنة» اللبنانية لا لإثارة قلقه ومخاوفه ولا لطمأنته وبثّ التفاؤل من حوله، اللبناني «ابن سوق»، الدورة الاقتصاديّة ماتت، أخبرني واحد من أبناء هذا السوق أنّ أحد زبائنه دفع له مبلغ 300 دولار بشيك مصرفي، وأنّ دورة العمل في الأسواق اللبنانيّة غارقة في «الشيكات المؤجلة» وأنّه كلّما استحقّ تاريخ شيك من هذه الشيكات المؤجلة طلب صاحبه استعادته لاستبداله بشيك آخر مؤجّل أيضاً!!

 

بأمانة، نتمنّى أن يكون بعض المتفائلين على حقّ، ولكن الواقع أسوأ بكثير ممّا يُتصوّر، خصوصاً أن الحديث عن «إصلاح» و»خفض العجز» هو في الحقيقة ليس أكثر من إجراءات أخيرة كتلك التي يجرّبها الطبيب كمحاولة أخيرة لإنقاذ مريض مشرف على الموت، ثمّ لا تجدي كلّ المحاولات، ويلفظ المريض النّفس الأخير، بثّ التفاؤل أيضاً «شيك مؤجّل» يؤخّر لحظة مواجهة الحقيقة، سبق وقلنا، ونعيد ونكرّر، الّذين يستقتلون للدخول والبقاء في جنّة السّلطة، هذا هو هدفهم الحقيقي، بعيداً عن ادّعاءات إنقاذ البلد، أو خطط النهضة التي يعدون بها اللبنانيّين، كلّهم ـ وللأسف الشديد ـ لا يملكون مشروعاً حقيقيّاً ولا حتى خطّة طوارىء لمواجهة الواقع الصعب، وللمناسبة «الآن حصحص الحقّ».

 

حتى الآن، الذين لا يملكون تصوّراً ولا خطّة ولا مشروعاً لإنقاذ البلد من انهياره الاقتصادي المحتوم، لا يملكون أيضاً تصور الحدّ الأدنى لردود فعل الشارع اللبناني بُعيد إعلان مدّ اليد إلى جيب المواطن المفلس، هل هناك من فكّر بوضع خطّة طوارىء احتياطيّة في حال اندلعت أحداث شغب بسبب ما يخبئونه حتى الآن ـ بخبث شديد ـ عن المواطن اللبناني، هل تخيّل هؤلاء وهم مسؤولون عن الأمن أيضاً سيناريو ما للتعامل مع هكذا أوضاع مفاجئة، قد يبدأ الأمر باعتصامات وتظاهرات واحتجاجات وقد ينتهي بشغبٍ وتحطيم وتكسير وسواها، فهل فكّروا الذين ينشغلون هذه الأيام بأرقام الموازنة، بسيناريوهات الأسباب التي قد تنشأ بسببها؟ لا نظنّ ذلك!

 

من المؤسف أيضاً، أنّ المناط بهم المسؤوليّة في هذا البلد ليسوا أهلاً للمسؤوليّة، حتى اليوم لم يكلّف مسؤول واحد منهم أن يتحمّل مسؤولياته فيخرج لمخاطبة الشعب اللبناني شارحاً الواقع الصعب والسّبل المتاحة لمعالجته، ألا تخفّف هذه المصارحة من وقع الأمور السيئة على المواطن، أليس من حقّنا كمواطنين أن يضعنا المسؤول في صورة ما يحدث وما هو متوقّع أن يحدث، لماذا الإصرار على مخادعة الشعب اللبناني والاستمرار في ممارسة الكذب عليه، أليس لأنّ هؤلاء المسؤولين يعلمون علم اليقين أنّهم السبب فيما وصل إليه المواطن اللبناني والوضع الاقتصادي في البلد، وأنّهم طوال السنوات الماضية انشغلوا في زيادة أصفار حساباتهم بالنّهب المنظم من المال العام، أليسوا يتوجسون خيفة من محاسبة اللبنانيّين لهم، وأنّ «شيك الحساب المؤجل» حان الوقت لدفعه؟!

 

لحظة المواجهة آتية لا محالة، أكبر مخاوفنا أن نجد أنفسنا أمام حقيقة واحدة «على البلد السلام»، الأيام المقبلة على اللبنانيين مقلقة جداً، ليس لأنّه مقلقة، بل لأننا نتعايش مع مسؤولين في السلطة لا يملكون خطط عمل كتلك التي تضعها الدّول التي تحترم نفسها وشعوبها لمواجهة الأزمات الطارئة، بلد لم تتعامل فيه الدّولة يوماً مع مواجهة الواقع بل هربت من الاستحقاقات إلى التأجيل، فأجّلت وأجّلت حتى وصلنا إلى السقوط المحتوم!