Site icon IMLebanon

اتفاقية الأسلحة الكيميائية تُثير الجدل من جديد

 

 

لو التزم لبنان لما انفجر المرفأ

 

أضاع لبنان من خلال الأداء الخاطئ بل الكارثي للسلطة على مدى العقود الأخيرة، فرصاً هائلة للتحوّل إلى دولة حديثة ومزدهرة وآمنة، واللحاق بركب عدد من الدول الخليجية والدول الغربية، بعدما كان رائداً ومتقدّماً عليها في عهد الجمهورية الأولى قبل الحرب.

 

من مؤتمرات باريس المتعاقبة، والتي استعادت الدول والصناديق المانحة جزءاً من مخصصاتها بمليارات الدولارات نتيجة عجز لبنان عن صرفها لأسباب سياسية وأخرى ترتبط بالفساد والهدر، إلى الهبة السعودية التي بلغت أربعة مليارات دولار، ومعظمها لمصلحة الجيش اللبناني والباقي للقوى الأمنية وللتنمية، بعدما اتضح أن أهل السلطة تصرّفوا بالدفعة الأولى كيفياً، ليتبيّن أن جزءاً من الأموال ذهب لمصلحة «حزب اللّه» عبر قنوات غير مباشرة.

 

على أن الأدهى يتمثل بفرصة تمّ إجهاضها لتجنيب لبنان كارثة انفجار «مرفأ بيروت» في الرابع من آب 2020 وسقوط أكثر من 220 شهيداً وضحية، عدا المصابين والمعوقين والخسائر المادية الهائلة.

 

القصة تبدأ بمسار انضمام لبنان إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية Chemical Weapons Convention وما يفرضه ذلك من التزامات على الدولة العضو، على صعيد تطبيق مندرجاتها والمتابعة المستدامة. وقد شارك لبنان في مؤتمر خاص بالاتفاقية منذ عشرة أعوام ونيف في «لاهاي» بقرار تم تنسيقه بين وزارتي العدل والخارجية، وتم خلال المؤتمر إقرار جملة نصوص تحتاج إلى قوننتها في لبنان، لا سيّما عبر إعداد مشروع أو اقتراح قانون جديد، فضلاً عن تعديلات للمواد ذات الصلة في قانون العقوبات أو استحداث مواد إضافية. وأهمية ما صدر عن ذاك الاجتماع هو الشروط التي تم وضعها لضبط إنتاح الأسلحة الكيميائية أو تهريبها، من خلال مراقبة مسارات المواد الأولية والأجهزة التقنية الخاصة بمعالجتها بهدف تحويلها إلى أسلحة كيميائية، وهذا عملياً ما كان يحصل في لبنان خارج أي رقابة جدية، على غرار المواد المخزنة في المرفأ من نيترات الأمونيوم وسواها، والتي كان يستخدمها «حزب اللّه» وتُنقل كميات منها لمصلحة النظام السوري.

 

ويفرض انضمام لبنان للاتفاقية أساساً، أن يتولى تنفيذ متطلباتها قانونياً وعملياً، لكن لبنان لم يلتزم التنفيذ، بدءاً بتعطيل مسار القوننة والتشريع في مجلس النواب، لأسباب برزت لاحقاً، وبخاصة مع انكشاف حقيقة المواد الخطرة المخزنة في المرفأ. لا بل وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن المسؤولين المعنيين في «لاهاي» أبدوا استعدادهم لتزويد لبنان في حينه مجاناً بأجهزة سكانر لمختلف المعابر الحدودية براً وبحراً وجواً، مع المعدات المرافقة والملابس الخاصة لفرق العمل الخاصة بالكشف والتفتيش، مع العلم أن دولاً عربية عدة أخرى التزمت بقرارات المؤتمر وباتت قوانينها ذات الصلة نافذة على غرار قطر وتونس والإمارات. ويقيناً، لو التزم لبنان وأقرّ المطلوب قانوناً، وهو ما تم إعداده كاقتراح، ونفذه عملياً لأمكن تجنّب انفجار المرفأ، وهذه مسألة بالغة الخطر والخطورة لأنها تتجاوز مجرد الإهمال، إلى وجود تعمّد واضح بهدف استمرار التفلت خارج أي ضوابط، وهو ما أدى إلى كوارث ومآسٍ عدة لعل أبرزها «انفجار المرفأ».