IMLebanon

الداما والشطرنج و”الفوضى الخلاقة”

 

لعبة الداما السياسية إنتهت، لكن لعبة الشطرنج الإستراتيجية مستمرة. في الداما حصل الرئيس ميشال عون على ما أراده منذ التكليف الذي رغب في تجنبه: إعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن عدم التأليف. ولا معنى للسجال حول التفاصيل في معركة التأليف والحصص والصلاحيات. وفي الشطرنج يتطلع اللبنانيون وتتركز أنظار العالم على النقلة التالية وما بعدها للسيد حسن نصرالله على الرقعة اللبنانية ضمن الرقعة الإقليمية الأوسع، حيث اللاعب الكبير هو الولي الفقيه السيد علي خامنئي. ولا حاجة الى السؤال عن السبب الذي يحيّر كثيرين في عجز أميركا وفرنسا وروسيا ومصر والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن إقناع الذين يعطلون تأليف الحكومة بتقديم مصلحة لبنان على مصالحهم الخاصة. ولا أحد يصدق أن من قاوم كل هذه القوى الضاغطة هو فقط رئيس جمهورية مفلسة وصهره المعاقب أميركياً.

 

ذلك أن الحد الأدنى من المسؤولية يتطلب أن يستهول الجميع معنى المعاندة في تأليف “حكومة مهمة” إنقاذية لبلد ينهار سياسياً ومالياً وإقتصادياً، وتنحل مؤسساته وتتعطل خدماته. فالخطوة التالية بعد الهرب من دخول الباب العربي والدولي المفتوح للإنقاذ، خوفاً على المصالح من الإصلاحات الضرورية ليست مجرد لعبة داما جديدة عبر مشاورات ملزمة بحثاً عن مرشح لتأليف حكومة. ولا أحد يجهل معنى الإنحدار في لبنان من مرحلة البحث عن حل الى مرحلة التسليم بالتسوية ثم الى مرحلة المطالبة بإدارة الأزمة، وصولاً الى مرحلة اللاقدرة على إبطاء الإنهيار. فالخطوة التالية الفعلية هي على رقعة الشطرنج. والسؤال هو: الى أي حد يبدو الإنهيار سلاحاً في يد طرف ما وفرصة أمام “محور الممانعة والمقاومة”، لفصل لبنان نهائياً عن عمقه العربي وإنفتاحه الغربي وربطه بالشرق الذي هو عملياً طهران؟

 

اللعبة صارت على المكشوف. ومن سخرية القدر أن يتبنى خصوم أميركا والغرب نظرية المحافظين الجدد أيام الرئيس جورج بوش الإبن والتي هاجموها بشدة: “الفوضى الخلاقة” في الشرق الأوسط. فالبلد صار أسير الفوضى، إن لم يكن محكوماً بالإنفجار الإجتماعي. والمافيا الحاكمة والمتحكمة مصرة على مواجهة “الثورة الشعبية” بالقمع والتمزيق والتلاعب بالعصبيات. ولا مجال للاختباء بعد اليوم وراء الأستار الشفافة. فالساعة دقت لترجمة المواقف الى سياسة عملية تضع النقاط على الحروف في ما أريد له أن يبقى لغزاً: هل كان هناك بالفعل رهان على الفوضى للإمساك الكامل بالبلد وإقامة نظام مختلف عن هويته وجوهره، أم أن الفوضى التي ترافق الإنهيار ستجرف الجميع؟ وما دام اللعب بلبنان جزءاً من اللعبة الإقليمية والدولية الأكبر، فإن من الوهم أن يتصرف أي طرف كأنه منتصر.

 

يقول بيتر شيال في كتاب “واحد الى صفر”: “بدل إعادة إختراع الدولاب، حاول جعله يعمل بشكل أفضل”. ومن بلاوي لبنان تسلط المافيا عليه، تريد إعادة تكوينه بدل أن تجعل نظامه يعمل بشكل أفضل.