يتفاجأ المستهلكون بعدم تراجع أسعار الفروج ومقطّعاته إلى الحد الذي فرضه مؤخراً وزيرا الاقتصاد والزراعة في حكومة تصريف الاعمال. بغض النظر عن ضرب القرار لحرية التسعير التي كفلها الدستور، فان المنطق “الزراعي” يفترض ان نتائج الدعم تتطلب بعض الوقت للظهور في الاسواق. فيما المنطق “الاقتصادي” لا يسير بـ “الفرامانات” الفوقية. وردة فعل الاسواق على مُعاَكستها، عادةً ما تكون سلبية. والدليل فشل كل تعاميم مصرف لبنان للحد من ارتفاع الدولار.
في 11 أيلول أصدرت وزارتا الاقتصاد والزراعة قراراً مشتركاً يحدد السعر الاقصى لبعض السلع من المنتجات الحيوانية والزراعية للمستهلكين. وذلك “حرصاً على مصلحة المواطنين وقدرتهم الشرائية، وتأمين الاستقرار في أسعار السلع المرتبطة بالدعم الممنوح من مصرف لبنان”، كما جاء في نص القرار. وزارة الاقتصاد والتجارة وحرصاً منها على الشفافية وضعت على صفحتها الرسمية القرار، مرفقاً بجدول تركيب الاسعار، والتي أتت على الشكل التالي: كيلو الفروج الكامل بـ 12 الف ليرة. كيلو جوانح دجاج على أنواعه كافة بـ 11 الف ليرة. وكيلو بقية الأنواع كافة بـ 11 الف ليرة أيضاً.
“الاقتصاد” تخفي الحقيقة
جدول الاسعار الذي يُتداول بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، ويتسلح به المستهلكون لمحاسبة “الطمّاعين” في حال عدم التزامهم بالاسعار، هذا الجدول ناقص ولا يقول كل الحقيقة. فبحسب الاتفاق بين النقابة اللبنانية للدواجن ووزارة الاقتصاد حُدد سعر “صدر الفروج بجلده” بـ 25 الف ليرة بعدما رفضت الوزارة تسعيرة النقابة لـ “الصدر” المبنية على دراسة الاكلاف والمحددة بـ 28900 ليرة. إلا ان الوزارة لم ترض بالسعر الذي وضعته، وقررت تخفيضه مرة جديدة، في غضون ساعات، إلى 23 الف ليرة. لتعود أخيراً وتحدده من دون موافقة أو استشارة “النقابة” بـ 19 الف ليرة فقط.
في الشكل أخفت الوزارة سعر صدر الدجاج، الذي يستخدم في “الطاووق” و”الاسكالوب” بشكل أساسي، من لوائح اسعارها المدعومة. موحية انه من ضمن بقية أنواع مقطعات الفروج المحددة بـ 11 الف ليرة. في المقابل ساوت من دون عدل سعر “الفخذ” و”الجانح” مع سعر “القوانص” و”الرقبة” التي من المفروض ان يكون سعرهما أقل بكثير من 11 الف ليرة. أما في المضمون فقد خالفت الوزارة الاتفاق مع نقابة الدواجن الذي نص على تحديد سعر الصدر بجلده فقط بـ 19 الف ليرة، وفرضت بيع كل أصناف الصدر بالسعر نفسه. “وهو ما يلحق الكثير من الظلم والتجني بحقنا، ولن نقبل به”، يقول امين سر النقابة وليم بطرس. “فسعر الصدر بجلده وعظمه ومن دون تنظيف واستئصال “الفتيلة”، يختلف عن سعر “الصدر” المنظف والمقطع للطاووق أو الاسكالوب”. وهنا يسأل بطرس: “كيف من الممكن ان يباع كيلو الصدر بجلده من دون تغليف أو تعليب، بنفس سعر الكيلو المنظف المقسوم إلى نصفين والموضوع في “صحنٍ خاص” ويباع على “الباركود”. أو ان يتساوى سعره مع سعر الصدر المقطع على القالب الذي يهدر منه 60 في المئة!
الدعم ناقص
شعبوية القرارات المترافقة مع توجيه وزارة الاقتصاد إلى مربي الدواجن “تهمة” الربح، يقابله استثناء الوزارة من دراستها المحدِدة للاسعار كلفة التغليف المقدرة بـ 20 سنتاً أو ما يعادل 1500 ليرة على كل كيلو دجاج. وهو ما يتناقض مع قرارات سابقة لـ “الوزارة” تفرض تغليف المنتجات حفاظاً على السلامة. أما الدعم الذي تُمنن فيه “الوزارة” المربين فهو على سعر 3900 ليرة للدولار، وقد اقتصر على أعلاف “الذرة” و”الصويا” فقط، من دون ان يطال بقية الاصناف التي وُعد مربوا الدواجن بدعمها، مثل المزيدات العلفية والادوية والمطاعيم وبقية المستلزمات الضرورية، التي يضطرون لشرائها بحسب سعر الدولار في السوق الثانوية.
تغليف أهداف القرار بمصلحة المواطنين وحق حصولهم على المواد الغذائية بأسعار مقبولة، يقابله شك لدى مربي الدواجن بان “الضغوط التي تمارس عليهم تهدف إلى إقصائهم، وتشريع استيراد الفروج المثلج من الخارج. وبرأي بطرس فان مربي الدواجن “يعملون تحت سيف التهديد بفتح الابواب أمام الفروج البرازيلي”. وبحسب المعلومات فان البرازيل المحرومة من تصدير منتجات الفروج إلى الكثير من الدول بسبب اطعام دجاجها “المصارين”، وتضمّن الكيلو 30 في المئة من وزنه ماء، والشك بانه يحتوي على فيروس “كورونا”… قد تلاقي في لبنان السوق المثالية لتصريف منتجاتها باسعار زهيدة، مستفيدة من تراجع قيمة الجمارك. إلا انه من وجهة نظر بطرس “لا يمكن مقارنة الفروج البرازيلي بالمنتج المحلي أولاً لانه “مجلد” وليس “طازجاً”، وثانياً لانه بمواصفات مختلفة لجهة النوعية”.
مصادر النقابة اللبنانية للدواجن تؤكد انها على الرغم من كل سيئات القرار، ليست ضده، وكل المطلوب مراجعته مع المعنيين في وزارة الاقتصاد لتعديل بعض بنوده، خصوصاً تلك التي تتعلق باسعار “الصدر”. وهي وإن لم تكن يوماً ضد مصلحة المستهلك وحقه في الحصول على الغذاء، يهمها ان يبقى قطاع الدواجن “واقفاً على قدميه”. فالقطاع الذي يربي 100 مليون طير، يعتبر صمام امان غذائي للبنان، ومصدراً لاعالة آلاف العمال الموزعين على نحو 2000 مزرعة في مختلف المناطق اللبنانية.