لم اعد اذكر التاريخ تماما ولكنني اعتقد ان اول محلّ لشوي الدجاج على ماكينات الغاز كان اسمه «علي بابا» وفتح ابوابه في ساحة الدباس القريبة من ساحة البرج في اوائل الستينات من القرن الماضي، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت شوارع بيروت والمدن والبلدات الاخرى تشهد زحمة على تحويل محال عدة الى محال لبيع الفراريج على الغاز، بعدما حقق «علي بابا» اقبالا كبيرا من اللبنانيين ما دفع الاخرين الى التمثل به.
تذكرت قصة «علي بابا» هذه، وانا اتابع يوميا على وسائل الاعلام المرئىة (التي لم تعكس مع الاسف صورة لبنان الرائد في العالم العربي على انه الاول الذي ادخل التلفزيون الى هذه المنطقة وكان معلما من معالم لبنان في الثقافة والفن والعلم والتكنولوجيا والمهنية العالية) ولادة تجمعات وحركات تشبه كثيرا حركة «طلعت ريحتكن» ولا تختلف عنها الاّ بالاسم وبالاشخاص الذين اعجبهم «علي بابا» المطلبي وقرروا فتح دكاكين مماثلة تشدّ اليها زبائن مختلفين وتحجز لهم مكانا في هواء التلفزيونات المفتوحة امامهم في اي وقت واي ساعة، ولو على حساب برامج وافلام ومسلسلات، لا يهمّ، المهم «الأكشن» والصدام مع قوى الامن والشتائم والاستفزاز، وايصال الرسائل الى الجهات المعنية بحملة السباب والاتهام، مرفقة بمطالب اقلّ ما يقال فيها انها مطالب حقة، ولكنها ليست في الاولويات الصحيحة بل هي تشبه وضع العربة امام الحصان، او بناء الدرج من فوق الى تحت، وملغومة بألف نيّة عاطلة، لانه تكشف بالمراقبة والممارسة، ان المطلوب ليس اكل «الدجاج»، بل قتل الناطور، وتعميم الفوضى، وافتعال مشكلة مع قوى الامن وجرّ الجيش اليها، واستيراد «الربيع العربي»وليس الربيع الديموقراطي الحرّ، والتغيير من خلال الضغط الذي يوجع الفساد والفاسدين، وليس المواطنين ومصالحهم، واقفال الشوارع يومياً، ومنع حركة البيع والشراء، والاعتداء على المحال والمؤسسات ونهب بعضها، وتشريد عمالها وموظفيها، والاغرب من هذا كله، والادعى للسخرية، هذه «الشجاعة» في الكذب وقلب الحقائق، وتصوير الامور على غير حقيقتها، وكأن اعمال التخريب، والتعامل مع قوى الامن على الصورة التي شاهدها المواطنون يومياً، ليست بفعل فريق مشارك في التظاهرة، ويصحّ تبريرها والدفاع عنها، بل هي من «مخيلة» قوى الامن تبريراً لاعتداءاتهم على المتظاهرين «المسالمين».
***
مرة اخرى، نبصم بالعشرة ان الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ 1990 على الاقل، هي طبقة فاسدة بمعظمها، وهي التي اوصلت لبنان الى هذا الدرك، بمساعدة من النظام الامني السوري – اللبناني اولاً، وبسلوك مسلك النكد والتعطيل والتحكم بعد خروج سوريا، ثانياً، ولكن طريق التغيير لا تمرّ باحتلال الوزارات او بالاعتداء على الناس وقوى الامن.