ما يجري في وزارة الدفاع لا نظير له. يتحضر الوزير لابقاء اللواء وليد سلمان في الجيش رغم ان القانون يحيله الى التقاعد. ما يناقش هناك ليس تفادي شغور رئاسة الاركان بل تكريسه، لكن بابقاء الضابط «الدرزي» الاعلى رتبة الرقم 2 في الجيش كي يأمره
فور عودة رئيس الحكومة تمام سلام الى بيروت تسارعت الاتصالات بغية تحديد مصير جلسة مجلس الوزراء الخميس 29 ايلول. خابر رئيس مجلس النواب نبيه بري حيال احتمال توجيه الدعوة، فلقي منه تشجيعاً.
خابر ايضاً حزب الله فوعد بالاجابة في الساعات القليلة التالية. جواب تيار المردة ان وزيره سيحضر جلسة مجلس الوزراء، وكذلك تيار المستقبل. في حصيلة ما نجم عن اتصالات مساء الاحد ان لا عراقيل في طريق التئام مجلس الوزراء بجدول اعمال جلسة 7 ايلول التي تعذّر فيها مناقشته، لتغيب وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق.
في جانب رئيسي مما يعنيه انعقاد مجلس الوزراء، بت مصير رئاسة الاركان مع احالة اللواء وليد سلمان على التقاعد منتصف ليل 30 ايلول. بالتأكيد لن تبت الجلسة ــــ اذا عقدت ــــ تعيين قائد جديد للجيش يخلف العماد جان قهوجي الذي يحال بدوره على التقاعد في التوقيت نفسه. ما يفسح في المجال ــــ مع تخلف مجلس الوزراء عن تعيين الخلف بغالبية ثلثيه ــــ امام وزير الدفاع سمير مقبل اصدار قرار تأجيل تسريح قهوجي للمرة الثالثة، سنة اخيرة تنتهي في 30 ايلول 2017.
بذلك، انعقد أم لم ينعقد ــــ مع أن للانعقاد مفعولاً شكلياً ليس الا لتبرير قرار تأجيل تسريح قائد الجيش ــــ لن يكون مجلس الوزراء معنياً بما ستكون عليه قيادة الجيش. بيد ان اجتماع ثلثي الوزراء او اكثر يفتح الباب عليهم ــــ بالنصاب الموصوف نفسه ــــ لتعيين رئيس جديد للاركان عملاً بما ينص عليه قانون الدفاع، تفادياً لشغور منصب مهم وحساس وأن لا يقع في خانة القرار، على انه يشكل واسطة العقد بين قائد الجيش والاركان. يحل محل القائد عند تغيّبه لأي سبب كان، ولا يحل في محله اي ضابط آخر عندما يتغيب رئيس الاركان لأي سبب كان. هنا تكمن اهمية المنصب. لا يأمر الجيش كالقائد الا اذا حلّ محله، ولا يعدو موقعه سوى انه مساعده في ادارة الاركان كما العمليات.
استدعاء سلمان من الاحتياط لا ليرئس الاركان، بل ليأمر الجيش في غياب قهوجي
اما البديل المطروح من تعذّر اجتماع مجلس الوزراء حتى مساء 30 ايلول، وتالياً احالة سلمان على التقاعد، فيقتضي وصفه ــــ اذا صحّ انه ما يعدّه وزير الدفاع ــــ باجراء اقرب ما يكون الى الفضيحة والفعل المعيب المتعمّد لإيذاء المؤسسة العسكرية، والاضرار بها، وتالياً إلحاقها بفضائح المؤسسات السياسية الاخرى بعدما نأت بسمعتها عنها، على الاقل حتى الآن.
في اروقة وزارة الدفاع ومكتب الوزير بالذات، كلام عن مخرج من اجل الابقاء على اللواء سلمان في الجيش مدة اضافية خلافاً للقانون، ليس لملء الشغور في رئاسة الاركان ــــ وهي محظّرة عليه هذه المرة ــ بل لتكريسه منذ ما بعد منتصف ليل 30 ايلول.
يقضي هذا المخرج بالآتي:
1 ــ استدعاء سلمان الى الخدمة مجدداً قبل ساعات من احالته على التقاعد، لكن من دون منصب، من اجل ان يصبح ـــ وهو اللواء ــــ الضابط الارفع رتبة في الجيش بعد قائده والتفويض اليه ــــ فقط ولا شيء سوى ذلك ــــ حق الإمرة على الجيش عندما يغيب القائد.
2 ــ تقول حجة هذا المخرج ان قانون الدفاع يمنع استدعاء ضابط كبير من الاحتياط كي يعيّن رئيساً للاركان او قائداً للجيش، لكنه لا يمنع استدعاء لواء من الاحتياط الى الخدمة من دون تعيينه رئيساً للاركان. ولأن القانون يمنع استدعاء ضابط كبير من الاحتياط لترفيعه الى لواء وتعيينه رئيساً للاركان، كما ان صلاحية الترفيع والتعيين هي لمجلس الوزراء حصراً من بين الضباط العاملين في الخدمة، فإن إعادة سلمان الى الخدمة ــــ تبعاً للحجة نفسها ــــ تصبح غير مشوبة بعيب قانوني ــــ وهي في الواقع كذلك ــــ كونه لن يلبث في منصبه الذي خرج منه. اما ما تعنيه هذه العودة فإن الرجل لن يملك حق توقيع اي قرار او معاملة.
3 ــــ الى ان يجتمع مجلس الوزراء لتعيين الخلف بالثلثين، تظل رئاسة الاركان شاغرة فلا يحل احد فيها، ما يبقي الضابط الثاني الأعلى رتبة في الجيش درزياً. في ظل قائد الجيش لا معنى لوجوده، وفي غيابه ــــ من دون ان يكون رئيساً للاركان ــــ تنتقل اليه الإمرة على كل الجيش تفادياً لخطر الفراغ في الإمرة.
4 ــ يراد من هذا المخرج الابقاء على «درزية» منصب رئاسة الاركان وإن شاغرة، على ان يحرسها اللواء سلمان في منصبه الوهمي المحدث، كي يلعب بذلك دوراً في منزلة رئيس الاركان من دون صلاحياته الادارية والقانونية والعسكرية. على نحو كهذا لا سابقة له في تاريخ المؤسسة العسكرية، يفتح الشهية على مناصب اخرى في الجيش والإدارة مستقبلاً. فلا يخرج احد بعد ذلك من منصبه، ويؤبد فيه.
5 ــــ عودة سلمان الى الجيش تنطوي على اكثر من مخالفة للقانون الذي يحظّر بقاءه دقيقة واحدة بعد 30 ايلول:
فهو أتمّ اولاً 43 سنة في الخدمة العسكرية. السقف الذي لا فتحة فيه لمن يشغل رتبة لواء.
وهو ثانياً في منصب ورتبة يحظر القانون استدعاءهما من الاحتياط، ولا يصح فيه ما صحّ ــــ وإن خطأً بعد خطأ ــــ على العميد ادمون فاضل حينما استدعي من الاحتياط ــــ وكان برتبة عميد ــــ كي يحتفظ بمنصبه مديراً للمخابرات. فيما يعود سلمان الى مكان لا محل له فيه: لا يملأ شغور رئاسة الاركان، ولا يعثر على وظيفة بين يديه.
وعليه ثالثاً الذهاب الى التقاعد وتحمّل السلطة الاجرائية من ثمّ مسؤولية تعيين خلف له من بين الضباط العاملين في الخدمة، الأرفع رتبة بين الدروز ما دام ذلك هو الشرط.
مع ان النائب وليد جنبلاط سمى في وقت سابق ضابطاً درزياً هو العميد حاتم ملاك خلفاً له، وابلغ ذلك الى رئيس الحكومة، الا ان الظن بتعذر الاستغناء عن وجود سلمان في الجيش في الوقت الحاضر، يقتضي في احسن الاحوال اتباع سابقة احد اسلافه اللواء رياض تقي الدين عندما عيّن رئيساً للاركان ـــ هو المستدعى من الإحتياط ـــ بعد استيفاء شرط ضروري وقانوني حتمي، هو تعديل قانون الدفاع. عام 1990، اصر جنبلاط على تعيين تقي الدين رئيساً للاركان، بينما كان قائد الجيش اميل لحود يفكر في فادي ابو شقرا الذي تحفظ عنه الزعيم الدرزي. ولأن المادة 21 من قانون الدفاع تحظر تعيين رئيس للاركان من بين ضباط في الاحتياط او سبق لهم ان وضعوا في الاحتياط، التأم مجلس النواب وعدّلها وصدر التعديل في القانون رقم 135 في 14 نيسان 1990، مجيزاً استثنائياً لمرة واحدة تعيين رئيس للاركان من الاحتياط. ما لبث ان ثبّت مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عمر كرامي تعيين تقي الدين رئيساً للأركان في 16 كانون الثاني 1991.
لم تكن ثمة سابقة لذلك المخرج. رغم التحظير، اخرجته اللعبة السياسية وتقاطع المصالح تبعاً لاصول قانونية بدأت في مجلس النواب بتعديل القانون وانتهت في مجلس الوزراء بالتعيين.
اما ما يدور في مكتب وزير الدفاع اليوم، فمسمار اضافي في العامود الفقري للمؤسسة العسكرية، وهو انضباطه، بمخرج معيب كهذا.