وقف التصعيد وحرب الملفات والاحتكام لمقترحات بري وحزب الله
تعكس حرب الملفات القضائية المتصلة بالفضائح المالية والفساد جانبا من الازمة الحكومية التي ما زالت تستعصي على كل المساعي والحلول. وما حصل ويحصل اليوم من اهتزاز قضائي حاد يؤكد ان الخلاف على تشكيل الحكومة لا يقتصر على الارقام والحقائب والاسماء بقدر ما هو صراع على طريقة تصفية المرحلة السابقة ورسم معالم المرحلة المقبلة واستحقاقاتها السياسية والاقتصادية والمالية.
واذا كان الرئيس عون عازم على استنهاض الجزء الاخير من عهده بخوض معركة مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي وفق روزنامته، فان الرئيس الحريري مصمم على ان يكون له الدور الاساسي في قيادة الحكومة الجديدة المعول عليها في تحقيق الاصلاحات الكفيلة بتامين الدعم الدولي للبنان .
وصار مؤكدا ان رئيس الجمهورية، الذي اعلن مؤخرا خوض معركة التدقيق للنهاية، عازم على استخدام كل الاوراق المتاحة في سبيل نجاح معركته التي يعتبرها العنصر الاساسي في تحسين صورة عهده . كما ان رئيس الحكومة المكلف مصمم بدوره على عدم التهاون في تاليف حكومة يكون فيها صاحب الكلمة القوية على راس فريق من الاختصاصيين غير الحزبيين محررة من التجاذبات التي كانت تشهدها الحكومات السابقة.
وفي ظل هذا الصراع الحاد والمتصاعد بين عون والحريري بات من الصعب احداث خرق في جدار الازمة الحكومية ما لم يحصل ضغط قوي وفاعل على الطرفين من طرف ثالث لفرملة صراعهما وفرض امر واقع جديد يضع عملية تاليف الحكومة على السكة الصحيحة.
وبرأي مصدر سياسي مطلع ان هذا الدور لا يمكن ان يلعبه سوى الثنائي الشيعي نظرا للعناصر والمقومات التي يملكها الرئيس بري وحزب الله في التاثير على التوازنات التي تتحكم بالساحة السياسية.
وقبل ان يذهب الثنائي الشيعي الى خيار رفع مستوى الضغوط على طرفي الصراع لا بد من الاخذ بعين الاعتبار والاضاءة على العناصر الاساسية التي تحكم الصراع بين عون والحريري.
ويقول المصدر ان عون في اعلانه حرب التدقيق الجنائي اراد التاكيد بانه لن يقبل تحويل مصير الحكومة الى رهينة بيد الحريري المتمسك بالتكليف الى النهاية، وانه قادر على السير في ملف محاربة الفساد بمعزل عن عملية تاليف الحكومة . فاذا كانت الاصلاحات بالمعنى الشمولي مرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة بعد فشل حكومة دياب، فان التصدي لملفات مالية متعلقة بالفساد كالتدقيق الجنائي وتهريب الاموال يمكن سلوكها والخوض فيها بمعزل عن الحكومة الجديدة خصوصا بعد قانون رفع السرية المصرفية والتدقيق الشامل الذي اقره مجلس النواب من اشهر.
اما الرئيس الحريري فيعتبر ان اثارة غبار معركة بعض الملفات المالية بطريقة استنسابية هو محاولة مكشوفة من العهد للهروب الى الامام ولتغطية التعطيل الذي يمارسه في موضوع الحكومة . كما ان معالجة الملفات الاصلاحية المالية مرتبطة بتحقيق الخطة الاصلاحية الشاملة والمتكاملة التي يفترض ان تضعها وتنفذها الحكومة الجديدة.
وتعتقد مصادر مقربة من العهد ان الحريري وحلفاءه مصممون على عرقلة التدقيق الجنائي لاسباب لا تتصل بالازمة الحكومية بقدر ما تتصل بسياستهم تجاه هذا الملف الحساس والهام .
وترى انه لا توجد عوائق او اسباب ومبررات تحول دون البدء بمعالجة هذا الملف من الآن ، وهذا لا يعني وقف عملية تاليف الحكومة وتاخيرها لا بل ان الرئيس عون عبر مرارا عن انفتاحه واستعداده الدائم لاستئناف النقاش والبحث في الوصول الى التشكيلة الحكومية وفق الاصول الدستورية والشراكة بينه وبين الرئيس المكلف في هذه العملية.
اما مصادر الحريري فترى ان العهد يسعى الى تسييس الملفات القضائية لاستخدامها سلاحا ضد الآخرين ولفرض شروطه في عملية تاليف الحكومة ، مشيرة الى ان هذه المحاولات مكشوفة ولم تعد تنطلي على احد.
وتضيف إن الاولوية وفق اجماع داخلي وخارجي يجب ان تكون لتشكيل الحكومة خصوصا في ظل الضغوط المتزايدة الناجمة عن الانهيار الاقتصادي والنقدي ، وان اثارة اي شيء آخر بطريقة استعراضية كما يحصل بالنسبة لموضوع التدقيق وغيره يندرج في اطار محاولات حرف النظر عن اولوية الحكومة والتمادي في سياسة التعطيل التي يمارسها العهد لتحقيق شروطه.
ويبدو واضحا ان هذا الصراع لن يؤدي الا الى مزيد من الانهيار ليس على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمالي فحسب بل ايضا على صعيد الدولة بكل مقوماتها حيث تشهد مزيدا من التفكك والفوضى التي اخذت تهدد مؤخرا القضاء الذي يعول عليه في عملية الاصلاح الشامل.
كيف يمكن للثنائي الشيعي ان يزخم مسعاه الحكومي ويرفع من وتيرة ضغوطه على عون والحريري ؟ المعلومات المتوافرة تفيد بان الرئيس بري مستاء للغاية من درجة التصعيد وانسداد آفاق الحلول، لكنه في الوقت نفسه لم يسلم بالامر الواقع المأزوم ولم يتخل عن مبادرته الاخيرة. ويرى في الوقت نفسه ان لا يمكن تكرار المواقف والمراوحة وان الوضع يقضي بتحقيق تطور ايجابي تجاه الجهود التي بذلها ويبذلها بالتعاون مع حزب الله.
وعكس هذا الموقف بيان المكتب السياسي لحركة امل امس وتاكيده « ان الوطن ما زال يعاني غياب الارادة الجدية لدى المسؤولين المباشرين عن تاليف الحكومة التي صار تشكيلها اكثر اهمية والحاحا من اي وقت مضى».
اما حزب الله فهو لا يزال يتكلم عن محاولات تدوير الزوايا ، مفضلا الانصراف الى اجراء المزيد من الاتصالات والمساعي بعيدا عن اجواء التصعيد من اجل تذليل العقبات امام باقي العقد التي تحول دون تاليف الحكومة.
وتقول مصادر مطلعة ان الثنائي الشيعي لم يطرح تغيير قواعد المساعي لتاليف الحكومة ، لكن التطورات الاخيرة وارتفاع وتيرة التصعيد بين بعبدا وبيت الوسط يفترض ان يزيد من وتيرة تدخلاته وضغوطه على الطرفين لإنتاج الحكومة.
وتضيف المصادر بان هذه التدخلات يفترض ان تاخذ بعين الاعتبار ما يلي :
١- وقف التصعيد بين بعبدا وبيت الوسط ، وابعاد حرب الملفات القضائية عن عملية تاليف الحكومة.
٢- استكمال البحث من النقطة التي انتهت اليها الجولة الاخيرة بالتسليم بحكومة ال٢٤ وزيرا واستبعاد الثلث المعطل وفتح الباب امام الاتفاق على تسويات ومخارج لحسم ومعالجة الخلاف حول تسمية الوزيرين المسيحين ووزيري الداخلية والعدل.
٣- قبول عون والحريري بالاحتكام للثنائي الشيعي في بلورة وحسم النقاط العالقة بعيدا عن الحسابات والشروط المتبادلة.
٤- استئناف الحوار المباشر بين عون والحريري على اساس المقترحات المطروحة من الثنائي الشيعي.