IMLebanon

الأطفال أكثر المتضررين من تداعيات الحجر المنزلي

 

من اللبنانيين من دخل الحجر الاختياري قبل أيام، ومنهم من سيدخله مكرهاً ابتداءً من اليوم. وغيرهم كان حظهم أسوأ فاضطروا لدخول الحجر الصحي في المستشفيات، ليعيشوا فترة صعبة بعيداً عن عائلاتهم. فيما يقاوم لبنانيون آخرون فكرة الحجر المنزلي ويحاولون الاستمرار بحياتهم بشكل طبيعي قدر الإمكان. وعلى الرغم من تخفيف ثورة الهواتف الذكية ووسائل التواصل الإجتماعي من وحدة الجميع وتداعيات الحجر، لا يمكن التخلص من هذه التداعيات بالمطلق. ويتحدث الطبيب المختص بالأمراض النفسية، جورج كرم، والمعالج النفسي، شادي رحمة، لـ”نداء الوطن” عن تداعيات الحجر وسبل الحد منها، تحديداً لدى الأطفال.

 

صحياً، وعلى الرغم من ضرورة العزل للوقاية من انتشار المرض وتجنباً لكارثة إجتماعية، غير أن “أيّ نوع من العزل يسبب شعوراً بالوحدة، وهو أصعب شعور يمر به الإنسان، شعور أسوأ من المرض. فالوحدة من أكثر الأمور التي تسبب ألماً لدى الإنسان”، وفق رحمة. بدوره يلفت كرم إلى أهمية الإستعداد للحجر وتوقعه، فعدم الاستعداد للحجر ينعكس سلباً على الأفراد، وهو ما يراه سبباً لإعلان الحكومة عن اتجاهها لفرض الحجر قبل عدة أيام. كذلك يلفت كرم إلى أهمية تحديد مدة زمنية للحجر، وتجنب تمديدها، لما له من أثر سلبي على المحجورين. “فحتى خلال الحرب لم يحجر الناس لأسبوعين”.

 

الأطفال أكثر تضرراً

 

وتختلف حدة تأثيرات الحجر على الأشخاص باختلاف أعمارهم. فلدى الراشدين، يسبب الحجر ضرراً أكبر للذين عايشوا الحرب اللبنانية، “إذ قد يعيد إلى أذهانهم ذاكرتها ويفتح ملفاتها في رؤوسهم، فيعيشون حالة ذعر وخوف. لأن الأمر هنا مختلف عنه في أوروبا مثلاً، حيث لم يعايشوا الأمر”، وفق حرب. ويشير رحمة إلى صعوبة الحجر على الأطفال وتأثيره في شخصيتهم، إذ “يمكن للكبار استيعاب المسألة لقدرتهم على إيجاد طرق للتواصل في ما بينهم، وإن عبر طرق غير المواجهة المباشرة ما يخفف شعورهم بالوحدة. أما الأطفال، فكلما انخفض سنّهم كلما واجهوا صعوبة في فهم أسباب منعهم من التواصل مع أطفال آخرين”.

 

وفي وقت لا ندري فيه المدة اللازمة لتجاوز الأزمة، ينبه المعالج النفسي، من أن التداعيات ستزداد حدة كلما طالت فترة الحجر. “فكلما طالت المدة ازداد الشعور بالوحدة، ويحصل أمران: يزداد الإنزعاج، بالمقابل يزداد التأقلم مع الوحدة، ما يشكل خطورة بذاته. لأنه قد يسبب عادة الوحدة عند الطفل، وستكون له تداعيات صعبة في ما بعد”. ولا يملك رحمة جواباً محدداً حول شكل هذه التداعيات، باعتبار أنه لا يمكننا معرفتها من الآن، “لأنه اختبار لم يعشه الناس سابقاً كما الآن”.

 

هي وحدة تفرض على الأطفال، يخففها تواجد الأهل معهم في الحجر المنزلي. وهنا يبرز دور الأهل إما في تعزيزها أو الحدّ منها. ويدعو الدكتور حرب الأهل إلى الإجابة على تساؤلات الأطفال حول أسباب بقائهم في المنزل ومنعهم من لقاء أطفال آخرين، بطريقة مبسطة ومن دون إخافتهم. كذلك يدعو إلى قضاء الأهل وقتاً مع الأطفال وجعلهم يختارون بأنفسهم النشاطات التي يرغبون القيام بها. بينما يحذّر رحمة الأهل من ترك أطفالهم يتأقلمون مع الوحدة عبر اللجوء إلى ألعاب الفيديو، “فهو أمر خطير لأنه يشجع الأطفال على الوحدة وعلى العالم الخيالي”.

 

أما الراشدون فينصحهم حرب بالحفاظ على روتينهم اليومي الذي اعتادوه لناحية ساعة الاستيقاظ وتناول الوجبات ونوعها، والتعامل مع فترة الحجر وكأنها إجازة. كما ينصحهم بملء أوقاتهم، وممارسة الرياضة لأنها تخفف من التوتر وتقوي جهاز المناعة. ولأن البقاء في المنزل لفترات طويلة قد يزيد من الخلافات، يطلب الطبيب من المحجورين في منازلهم الانتباه إلى عدم التدخل في أمور لم يعتادوا التدخل بها، ما قد يسبب مشكلات بين الأزواج وداخل العائلات. وللتخفيف من التوتر والقلق، ينصح حرب بتجنب متابعة المستجدات بشكل متواصل، والاكتفاء بالاستماع إلى نشرتيّ أخبار، صباحاً ومساءّ، “لأن ما نراه تخطى القلق والوقاية ليصبح هيستيريا”.

 

ما بعد انتهاء الأزمة

 

وبانتظار انتهاء هذا الكابوس وعودة الجميع إلى حياتهم الطبيعية، يلفت رحمة إلى أن الأمر لن يكون سهلاً وعادياً. “سيواجه الأطفال صعوبة في التأقلم مجدداً مع المدرسة والأمور التي عُزلوا عنها. كذلك سيواجه الكبار صعوبة بالعودة إلى أشغالهم وإن اشتاقوا إلى ذلك. وستختلف المدة اللازمة للتأقلم باختلاف مدة العزل، وفي حال طالت، قد لا تكون العودة سلسة بالطريقة المتوقعة”.