Site icon IMLebanon

الطفولة تسأل «حزب الله»: بأي ذنب قُتلْتُ؟  

طفل جديد يقضي في صفوف «حزب الله» في سوريا من بين عشرة عناصر كانوا قد سقطوا خلال أقل من أسبوع. لا فرق عندهم إن كان هو الطفل الرابع أم العاشر الذي يسقط هناك، لكنه بالتأكيد لن يكون الأخير في حرب لا ضوابط تحكمها ولا عقلانية تتحكم بها بعدما فُتح باب مذهبيتها على مصراعيه لدرجة أصبح التهافت إلى الموت العامل الأبرز والأخطر في مشروع الكل فيه مقتول.

الحرب التي فرضها «حزب الله» على بيئته حوّلت الطفولة إلى لاعب أساسي فيها، بعدما زرع بداخلها حب الانتقام من عدو أوجده هو وعمل على تنمية الكره والحقد بداخله من خلال دعمه للظالم في وجه المظلوم.

محمد علي نعمة، العنصر في «حزب الله»، طفل قاصر آخر وليس الأخير، يسقط في سوريا ليودع حياة كانت لتليق بعمر لو عاشه بطريقة تتناسب مع شريعة البشر وشرائع الأديان السماوية، بدل أن تأخذه موجة الكره والتعبئة في طريق رسمها له كما لغيره، ولاة الأمور والحروب من أصحاب المشاريع العابرة للحدود.

لا يبدو أن للأيتام الحق في تقرير مصيرهم ورسم أحلامهم كما سواهم من الأطفال. فمحمد، الطفل الذي رحلت والدته باكراً عن الدنيا، لاحقته المغريات وتقاذفته التحريضات المذهبية حتى وقع في عشق السلاح فتحوّل بين ليلة وأخرى إلى مقاتل، لم يكن يُجيد، بحسب أقاربه، طريقاً للدفاع عن موقفه سوى البكاء، فكيف به أن يحمي «مشروعاً» وهو بعمر الستة عشر عاماً؟ وسؤال إحدى قريباته للحاضرين داخل منزل والده عن الأسباب التي تدعو إلى الموافقة على انخراط طفل في الحرب، له في «جعبة» أحد مسؤولين «حزب الله» في القرية جواب «هيدي حربنا كلنا».

بلدة عيناتا أمس الأول، كانت عبارة عن حكاية صغيرة اختصرت كل حكايات الجنوب. أطفال بعمر محمد وربما أصغر منه رافقوا موكب جنازته بزيّهم العسكري. لا فرق إن كانوا خضعوا لتدريبات عسكرية ام لا، فالمهم أنهم يحملون عقيدة موت زُرعت باكراً في عقولهم، وربما قد ازدادوا تطرفاً بعد مقتل صديقهم لدرجة أن القلمون والزبداني أصبحتا تحتلان الجزء الأكبر من يوميّاتهم وتستحوذان على تفكيرهم وعلى نمط حياتهم، وضمن إطار التعبئة والتجييش المذهبي تحت شعار محاربة «التكفيريين»، سُمع عدد من رفاق محمد وهم يتوعدون»الكُفّار» بالانتقام وأنهم قرّروا الالتحاق بالحرب السوريّة، لكن وحده الجدّ كان صامتاً طوال الوقت يُفكر بعمر كيف سيمر من دون أن يكون حفيده جزءاً أساسياً منه، وبوالد كان مُجبراً على سماع عبارة «مبروك الشهادة».

بيئة «حزب الله» عموماً، والجنوب على وجه الخصوص، تحوّل الموت فيه او «الشهادة» الى جزء من حياة أهله، المشهد في القرى يشبه حالات الحرب ومجتمعاتها، فكل الأمور تحت السيطرة. هذا أقله ما يُحاول «حزب الله» إشاعته بين جمهوره، وسؤال القادة العسكريين في الحزب عن ارتفاع أعداد «الشهداء» لم يعد بدوره يجدي نفعاً بعدما أصبحت الإجابة عنه معروفة لديهم «نحن نخوض حرباً حقيقية، وفي الحروب يسقط شهداء وجرحى». وأمام هذا الواقع، أمهات لا يقوين سوى على الدعاء لأبنائهن بالعودة سالمين. تقول إحداهن: «في زمن الحرب مع إسرائيل كنا نرى أولادنا باستمرار، لكن اليوم تبدّل الحال وأصبحنا نراهم كل شهرين أو ثلاثة مرّة»، ما يدل على واقع الأزمة التي تعيشها بيئة الحزب والتي أصبحت تعتبر هذه الحرب دخيلة على حياتها وعلى بيئتها المقاومة.

في عيناتا، بلدة الشعراء والأدباء والعلماء، على رأسهم الراحل السيد محمد حسين فضل الله، كانت حاضرة لغة رفض الحالات الارهابية بكل انواعها ولغة الاستعداد للموت في سبيل الدفاع عن الطائفة اولاً ومن ثم الوطن، لكن على الضفّة الأخرى كانت أحاديث الاستعداد لحرب طويلة هي الركيزة الأساس، حرب سيكون رفاق محمد رأس حربة فيها، يهتفون باسم «الانتصارات» على وقع الأناشيد الحماسية والتحريضية، وتحت لافتة في ساحة البلدة كُتب عليها «بالله عليك قل لنا كيف اللقاء؟ قل لنا كيف استقبلتك أمك وضمتك الى صدرها وداوت جروحك؟« لتبدو الصورة وكأنها محاولات مُستمرة لاستغلال عواطف وغرائز العناصر حتى آخر لحظات وجودهم في الحياة.