IMLebanon

«الأبناء الضالون» شركاء في الانتصار أيضاً… رغم الغصّة

ثمّة جيل شبابي تدور حياته بأكملها حول ميشال عون ولا قدرة فعلية له على العيش بمعزل عن هذه الدائرة، حتى لو تم فصله من التيار الوطني الحر. هؤلاء لا تسعهم الفرحة اليوم بوصول عمادهم الى رئاسة الجمهورية، فالخلافات الحزبية شيء وحلم الـ26 عاماً الذي ساهموا في تعبيد الطريق أمام وصوله بأجسادهم شيء آخر

لا يبدأ حديث سياسي بين الشباب العوني إلا بذكر أنطون الخوري حرب. ولا يبدأ حديث بين ناشطي الجامعات إلا ويكون أنطون الخوري حرب أساسه. ولا يبدأ حديث عن ميشال عون إلا بلسان أنطون الخوري حرب.

في ذهن هؤلاء، «طوني» هو ميشال عون، وهو المناضل الذي رفع أول راية للمقاومة الطلابية في الجامعات، وهو الناشط الذي ارتبط اسمه مباشرة لمدة 10 أعوام بعون، وهو السياسي الذي تعامل معه العونيون وغير العونيين على أنه الحاضر الأكبر في الرابية، وهو الأخ الأكبر الذي يبكي رفاقه عند سؤاله عن ميشال عون، وهو الذي كفر بالله ووضع الجنرال فوقه. اليوم، يجلس طوني حرب المفصول من التيار الوطني الحر حائراً في ما يفعل، يخرج ليلاقي العونيين الى «قصر الشعب»، الحلم الأول، أم يتابع مجريات النهار على التلفزيون كأي مواطن؟ لم يحسم أمره بعد، ولكن الأكيد أن لا سعادة تفوق سعادته بوصول عون الى بعبدا.

طوني حرب يمثل جيلاً شبابياً حصر حياته بدائرة ميشال عون ولا يتقن العيش خارجها حتى لو أخرج بالقوة: «عون هو الحلم والقضية والمبادئ والوطن والدولة والمؤسسات». هؤلاء، كطوني حرب وطوني مخيبر، استمدوا قوة نضالهم واستمرارهم في العمل كل يوم من إيمانهم بأن حلمهم سيتحقق يوماً ما. فمخيبر، المفصول هو الآخر، كان من أوائل الذين أسسوا ماكينة التيار وما يسمى اليوم هيئات التيار الوطني الحر. لكن عندما جاءت اللحظة التي لطالما حلم حرب ومخيبر وكل الشباب المفصولين بها، وجدوا مجموعة من المناضلين الجدد تقف في طريق فرحتهم بالانتصار لـ»فخامة» العماد ميشال عون. فما كاد القيادي السابق في التيار الوطني الحر زياد عبس ورفاقه يعلقون صورة كبيرة لعون على مبنى مقابل للمبنى الذي يحتضن صورة بشير الجميل في ساحة ساسين بالأشرفية، ويحتشدون بجانبها لتوزيع الأعلام والصور والفولارات حتى باغتهم رفاق سابقون برفع شكوى بحقّهم في وزارة الداخلية ومحافظة بيروت. وكان أن أزيلت الصورة الموقّعة باسم «عونيّو بيروت» والعلم اللبناني لتنصب أخرى مكانها وتزين بأعلام التيار والقوات اللبنانية هذه المرة. ما سبق لن يحدّ من حماسة عبس وفرحته بانتخاب عون رئيساً. الخلافات الداخلية شيء، وقضية الـ26 عاماً شيء آخر، لذلك أضيئت الشموع أول من أمس في مزار السيدة العذراء في الأشرفية، وستلحقها احتفالات أخرى اليوم رغم محاولات منعها. فعلياً، عبس هو أحد المساهمين، بصورة غير مباشرة، في وصول عون الى رئاسة الجمهورية. فهو من صاغ وثيقة التفاهم مع حزب الله في عام 2006، الوثيقة التي لولاها لما نشأ حلف ثنائي بين الحزبين ولما تبنى الحزب ترشيح عون وأخذ على عاتقه دعمه. قبل ذلك، كان عبس أول من أنشأ مجموعة حزبية في الجامعة الأميركية في بيروت، وأول من افتتح مكتباً سياسياً ــ خدماتياً ــ انتخابياً جدياً في الأشرفية بعد عودة عون الى لبنان. غصة زياد اليوم كبيرة، لن يحصد ما زرعه ورفاقه في التيار مع التيار. سيحتفل هو وأصدقاؤه بانتصار جمهورية ميشال عون ومبادئه ودولة المؤسسات من داخل باصين يوزعان الفرح في الأشرفية.

رصيد عون ونقطة قوته هما تلك الحالة الشعبية الوجدانية التي آمنت به وسبقته الى حلمه وصبرت معه 26 عاماً وساهمت في شرعنة كل الخيارات التي لم يجرؤ أي زعيم سياسي على فعلها. لذلك، أحد أسباب بقاء الجنرال لاعباً رئيسياً يصعب تخطيه رغم كل محاولات شيطنته لإضعافه، هو الرأي العام الذي شكل هؤلاء الشباب أعمدته لمدة طويلة، حتى لو تم فصلهم مؤقتاً أو بشكل دائم. فعلياً، هم جزء من ذاكرة التيار الوطني الحر التي يتطلّب محوها سحب كل صور التظاهرات العونية من التسعينيات الى عام 2005 التي تقدمت صفوفها لينا عقيقي ومايا سودا وهشام حداد وباتريك رزق الله وهاغوب مانيسيجيان وميشال حداد وميشال أبي خليل وطوني نهرا وإدغار عيسى وبول أبو حيدر. هؤلاء عشقوا الجنرال لدرجة العبادة وكرسوا حياتهم بكل معنى الكلمة لأكثر من 10 أعوام ليكونوا أحصنة حرب عون ورجاله على الأرض وصلة الوصل بينه وبين الجامعات والشباب. هم يرون أنفسهم الأحقّ بما يسمونه «احتفالاً وطنياً بانتصار أفكارهم وقضيتهم ومشروعهم وبمن جاء ليكسر مقولة أن لبنان قوي بضعفه». لذلك، حسرتهم لا توصف لعدم مشاركتهم التيار فرحته.

بموازاة هؤلاء، شاب يدعى جورج تشاجيان هو المنسق السابق لدائرة بيروت الأولى الذي أعفته قيادة التيار من مهماته وعلّقت عضويته في الحزب لستة أشهر. وهو الناشط الأكثر ديناميكية وإبداعاً من حيث الأفكار والنشاطات في التيار. لتشجيان ثلاثة أحلام، الأول تحقق مع عودة الجنرال الى لبنان، والثاني يتحقق اليوم مع وصول «البيّ» الى بعبدا. فيما الحلم الثالث، حلم الإصلاح والقانون الانتخابي النسبي والشراكة الوطنية رهن بقائد الجمهورية. فعون بمنظار تشجيان هو الوحيد القادر على تحقيق أحلام الشباب التي خرجت من رحم الوصاية ومعاناة أهله. الفرحة تكاد لا تسعه عند رؤية والدته الأرمنية غير المسيسة تصلّي للعذراء دامعة من أجل أن يمرّ يوم الاثنين على خير ويفوز العماد بالجمهورية. ووالده وجاره على السواء يهللان لاكتمال فرحة وصول رئيس صنع في لبنان كسر شوكة من حكموا لبنان بعد الطائف. احتفال تشجيان غير فولكلوري، يبدأ بزيارة ضريح أبو نعيم (شقيق الجنرال ميشال عون) وشهداء 13 تشرين واللواء فرنسوا الحاج، وينتهي بزيارة رئيس جمعية «سوليد» غازي عاد في المشفى. أما الناشط رمزي كنج، فلا يشبه وضعه أياً من المذكورين. لم يفصل رسمياً من الحزب. الشاب العوني «غير المسيحي» الذي آمن بعون وكان المثال لشباب آخرين تخطوا هاجس الطائفة وانتسبوا للتيار، «يضعه الحزب على الرفّ». سيحتفل رمزي طبعاً بالمشروع ــ الحلم، ولو في قلبه غصة.

النوستالجيا العونية وحماسة المفصولين لشخص ميشال عون وما يمثله أكبر من أن تبتلعها الخلافات الإدارية الحزبية. لذلك فرحة ابن شقيق عون، نعيم عون، توازي فرحة الجميع وتضاعف ابتهاجهم بالحدث. نعيم كان الملهم الرئيسي وأحد المخططين الرئيسيين في كل تلك المجموعات، وما وصول عون الى بعبدا سوى تحقيق لهدف عمل عليه منذ نشأته. إعلان اسم ميشال عون رئيساً للجمهورية يبعث أملاً جديداً اليوم للجيل العوني المفصول بعدما عاد «الشعب» الى «قصر الشعب» ويفترض أن يحمل في قلبه أفكار وأحلام ومشاريع طوني وجورج وهشام وباتريك ورمزي ونعيم وزياد ولينا وغيرهم.