يرتدي التأجيل المتكرّر للمرة 38 لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية طابعاً مختلفاً هذه المرة عن كافة عمليات التأجيل السابقة، كونه يتزامن مع فتور واضح داخلي وديبلوماسي من قبل المعنيين بالإستحقاق الرئاسي، على الرغم من أن جلسة الإنتخاب أتت بعد ساعات على اختتام زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لبيروت، والتي تناولت هذا العنوان مع القيادات السياسية والروحية اللبنانية. وقد أكدت أوساط ديبلوماسية مواكبة لعملية الشغور الرئاسي، أن كل الجهود الرامية إلى تسهيل عملية انتخاب الرئيس، والتي بُذلت في الفترة الماضية، قد اصطدمت بحائط الإنقسام السياسي الداخلي، وليس بأي عائق آخر إقليمي أو دولي. وأشارت إلى أن السجالات التي سُجّلت أخيراً قد أدّت إلى ركون غالبية المعنيين بالمبادرات الرئاسية، إلى أن المعادلة الوحيدة السائدة هي استمرار الفراغ على الأقلّ إلى ما بعد الإنتخابات البلدية والإختيارية، وإلى ما بعد الإنتخابات النيابية ربما، وذلك فيما لو جرى التوافق على قانون جديد للإنتخاب.
وفي هذا المجال، فإن تعذّر التوصل إلى الحد الأدنى من القواسم المشتركة ما بين القوى السياسية الداخلية، كما أوضحت الأوساط الديبلوماسية، قد تحوّل إلى مسؤولية محلية، وهذا ما برز بوضوح بين سطور التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي، والتي كرّر فيها مواقف موفدين ديبلوماسيين غربيين زاروا لبنان خلال العام الماضي. وأكدت أن موقف فرنسا، كما سائر عواصم القرار الأوروبية، هو داعم لإجراء الإنتخابات الرئاسية من دون أي تأخير، كما أنه يؤشّر وبشكل حاسم إلى أن هذا الإستحقاق، وللمرة الأولى منذ عقود، لم يعد مرتبطاً بالإرادات الدولية، بل تحوّل إلى «عقدة» وأزمة محكومة بمعادلة سياسية تشمل أكثر من بند إقليمي، وبشكل خاص التسوية المقبلة في سوريا.
ومن هنا، فإن نقاط الإختلاف حول تسوية العناوين الإقليمية بين عواصم القرار الغربية، وخصوصاً واشنطن وموسكو والعواصم الإقليمية، تبدت عوامل مشجّعة على تأخير اي توافق بين كل هذه الأطراف حول الملف الرئاسي اللبناني على حد قول الأوساط نفسها، التي لاحظت أن هذه الخلافات هي السبب الرئيسي وراء عزوف العديد من النواب الذين تحمّسوا في السابق إلى المشاركة في كل جلسات الإنتخاب الرئاسية. وأضافت أن تراجع عدد النواب في ساحة النجمة مرتبط بتعثّر التسويات في المنطقة، وخصوصاً على صعيدي الصراع في سوريا، كما في اليمن بالدرجة الأولى.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، لفتت هذه الأوساط إلى أن عدم جهوزية القوى الداخلية المعنية بالمبادرات الرئاسية الأخيرة، تنسجم مع فتور الأطراف المعنية بهذا الملف في الخارج للذهاب نحو تسويات كبرى. واعتبرت أن هذا الواقع يدفع باتجاه إبقاء المشهد الرئاسي على شغوره الحالي حتى أمد غير منظور، وذلك بانتظار الوصول إلى تسوية أو مبادرة رئاسية جديدة تذهب نحو التوافق، مع العلم أن الإتجاهات العامة على الساحة الداخلية لا تشير على الإطلاق إلى إمكان موافقة أي من المرشحًين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، على الإنسحاب لمصلحة مرشح وفاقي حتى ولو وافقت عليه الإرادات الخارجية التي تمسك بمفاصل القرار اللبناني الداخلي.