الصراع الجيوسياسي يحتدم وتنافس دولي على دخول لبنان
فتح تهديم مرفأ بيروت شهية العديد من الدول على تأمين موطئ قدم لها على المتوسط انطلاقاً من إعادة إعماره. تركيا كانت السباقة في اعلان استعدادها لبناء ما تهدم على لسان نائب رئيسها فؤاد أقطاي. فيما تحدث الخبير الاقتصادي حسن مقلد عن تلقيه رسائل الكترونية تظهر اهتمام واحدة من أكبر 5 شركات صينية وجهوزيتها لتولي العملية. كذلك فعلت دولة الامارات. فمن سيفوز في وضع قدمه في مياه المتوسط؟
لا يخفى على أحد ان للصين المصلحة الاكبر في استثمار مرفأ بيروت، ليس طمعاً بعوائده المادية المباشرة بل استكمالاً لمشروع طريق الحرير وتأمين إطلالة لها على البحر المتوسط. عيون الصين لم ترفع منذ سنوات عن الموانئ البحرية اللبنانية. منذ العام 2017 بدأت الصين ارسال وفودها إلى لبنان لاستطلاع آفاق التعاون في مرفأ طرابلس وتطوير البنى التحتية لإعادة إعمار سوريا. وبالرغم من تعطل المشاريع الكبيرة كتطوير المرفأ وبناء سكة الحديد الشمالية، فقد بلغت قيمة العقود الصينية الموقعة نحو 58 مليون دولار. من بعدها كان لافتاً ابداء الصين اهتمامها ببناء معمل سلعاتا الاشكالي ومينائه البحري. وصولاً اليوم إلى التطلع للمساهمة في بناء واستثمار أكبر الموانئ اللبنانية.
الطموح الصيني والفيتو الاميركي
الطموح الصيني سيصطدم برأي الخبير في التعهدات والاستشارات الهندسية راشد حمادة “بخشيتها من تعزيز وضع إيران في لبنان وخوض صراع جديد مع أميركا. وعليه فان الصين لن تتدخل في لبنان ولا حتى في ايران نفسها قبل بلورة تفاهم بين اميركا وايران”.
مرفأ بيروت يشكل واحداً من أصل 87 ميناء بأحجام ومزايا مختلفة منتشرة على ضفاف المتوسط. وقد زادت أهميته بشكل كبير “في ظل جذب المنطقة أنظار الصناعة البحرية من جديد، لا سيما في ضوء التطورات والاكتشافات النفطية في المتوسط”، بحسب “مؤتمر شرق المتوسط البحري” الذي عقد العام الماضي في لبنان. فالمرفأ يقع على طرق التجارة الرئيسية في العالم التي يمر بها نحو ثلث التجارة العالمية. وهي تعتبر نقطة التقاء بين العديد من المضائق والممرات والموانئ المحورية ذات البنية التحتية الحديثة.
البناء على طريقة BOT
لإعادة إعمار مرفأ بيروت دور اقتصادي وجيوسياسي كبير في المنطقة. وهي تحتم النظر بدقة وعناية على من سترسو هذه العملية خصوصاً ان “الدولة التي ستلتزم اعادة اعمار واستثمار المرفأ لمدة معينة على طريقة BOT، أي التشييد والتشغيل ونقل الملكية، ستمسك بخناق البلد والاقتصاد. ولا احد يرحم”، يقول حمادة. من هنا يستحسن من وجهة نظره ان “تكون الدولة التي ستلتزم اعادة الاعمار صديقة ولا أطماع لها ولا خلاف على دورها. وهو ما يتناسب مع العرض الذي قدمته الامارات العربية المتحدة للبناء والاستثمار على 25 عاماً. ولو اني افضل ان يكون الاستثمار لمدة 15 عاماً فقط”. هذا الطرح لا يلغي برأي حمادة “امكانية التعاقد مع الصين في اعمال البنى التحتية على طريقة الـ BOT، ولكن ليس ان يكون التلزيم شاملاً والكلمة الفصل لها في موضوع بهذه الاهمية والخطورة”.
الصين في الصدارة
انفجار مرفأ بيروت أدخل لبنان مرغماً في حلقة من الصراع الجيوسياسي. وكل محاولات السير بين نقاط مصالح الدول فشلت بعد الهجمة الكبيرة على دخول المتوسط من بوابة المرفأ. “فمجرد فكرة ان لبنان شبه مفلس ومحاصر اقتصادياً يعطي فرصة رئيسية للصينيين كي يدخلوا بعقد BOT لاعادة اعمار مرفأ بيروت”، يقول خبير الاقتصاد السياسي بيار خوري. “هذا العقد لن يحمّل الدولة اللبنانية أي أعباء مادية وسيساهم بانجاز الاعمال بسرعة قياسية نظراً لخبرة الشركات الصينية وطريقة عملها المحترفة في المشاريع المماثلة. ولعل التزامها بناء وتطوير مرفأ اليونان وتحويله الى مرفأ أساسي لأوروبا خير دليل على ذلك”. إلا ان سهولة الكلام لا تنعكس سهولة في التطبيق. فالتنافس على إعمار مرفأ بيروت سيخلق الكثير من المشاكل، وهذا ما بدأ يظهر برأي خوري “من خلال تحرك الوفود السياسية الى بيروت وعقد مؤتمر دعم عصر اليوم (البارحة) والليونة المستجدة في الموقف الاميركي تجاه لبنان. ذلك كله لمنع الصينيين من وضع يدهم على المرفأ وورشة اعادة اعمار بيروت”.
الكلفة الباهظة
صحيح ان قيمة الخسائر في مرفأ بيروت قدرت بحسب شركات التأمين بحدود 3 مليارات دولار، إلا ان هذا لا يعني ان كلفة اعادة الاعمار ستبقى محصورة في هذا الرقم. ذلك لارتباطها بحسب خوري بعدة متغيرات، أهمها: عدم تغطية شركات التأمين الخسائر بنسبة 100 في المئة. عدم تقدير البنى والتجهيزات بقيمتها الحقيقية. الاخذ بالاعتبار قيمة اعادة البناء بشكل افضل وأحدث. إذ لا يمكن اعادة المرفأ إلى نفس الحالة التي كان عليها. بل على عملية البناء ان تأخذ بالاعتبار فرصة خلق مرفأ حديث ممكن ان يخدم اهدافاً أوسع من الاهداف التجارية التي كان يخدمها سابقاً. التنافس على المرافئ كبير جداً في المنطقة، وموقع بيروت الاستراتيجي يؤهلها للعب دور مميز وفعال على المتوسط”.
لا غنى عن مرفأ بيروت
رغم الطروحات الكثيرة عن امكانية تطوير كل المرافئ الموجودة على الخط الساحلي، وتحديداً منها ميناء طرابلس، لما يمتلكه من مساحات قادرة على خدمة لبنان ونصف سوريا، الا ان “قوة الاحداث اعادت فرض مرفأ بيروت بصفته ميناء لا بديل عنه والممر التجاري الاوسع على هذا الساحل وصولاً الى تركيا” برأي خوري.
اعادة ترميم المرفأ على طريقة الـ BOT اصبحت أمراً محسوماً. ولكن لمصلحة من؟ هذا هو السؤال الجوهري. الخبراء يجزمون ان تركيا مستبعدة بشكل كامل. أما الصين فمن الصعب ان يسمح لها بالدخول منفردة، وأغلب الظن ان يقود اعادة الاعمار كونسورتيوم دولي تقوده فرنسا او كونسورتيوم موجودة فيه الصين.