Site icon IMLebanon

الصين تُدهش العالم؟

 

هنالك دولة واحدة تدهش العالم بتمددها البطيء والقوي بنفس الوقت. تطورت الصين بما لا يقبل الشك بسرعة وعمق بدأ من أربعينات القرن الماضي وما زالت توسع تأثيرها السياسي والاقتصادي عالميا. الصين تخيف المنافسين، اذ تتوسع في كل الاتجاهات بدأ من شرق آسيا الى أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وغيرها. للاتفاق الأخير مع إيران دلالات كبرى نفطية واستثمارية ولا شك سياسية، كما أشار اليه الرئيس بايدن بقلق ومعرفة. حتى اليوم لا يتم التعامل مع الصين بما يناسب قوتها ليس فقط من قبل الغرب وانما أيضا من قبل روسيا ومجموعة الدول الناشئة. أصبحت الصين قوة كبرى وسيتأقلم العالم عاجلا أم آجلا مع هذه القوة في كل المؤسسات الدولية ومنها البنك وصندوق النقد.

 

قوة الصين الأساسية هي نموها الاقتصادي الذي ينعكس على السياسة وعلى الدور الكامل والشامل للصين في المجتمع الدولي. بين 2005 و2019، بلغ متوسط النمو السنوي للصين 6,5% في وقت كانت تتعثر خلاله الاقتصادات الغربية. تشير احصائيات صندوق النقد الى عودة النمو القوي هذه السنة وحتى سنة 2025 مما يؤكد على الدور المتزايد المحتمل للادارة الصينية. لا شك أن النمو انحدر من بداية القرن حيث كان معدله يفوق الـ10% لكنه ما زال كبيرا بل مدهشا خاصة وأنه استمر خلال وبعد الركود الكبير في سنة 2008.

 

بعد الحرب اليابانية الصينية من 1937 الى 1945، بدأت الصين تنتقل للعب دورها التاريخي. انتصار اليابان في الحرب جعلها قوة دولية كبيرة. فالصينيون الوطنيون لم يؤدوا الدور المنتظر منهم من قبل الولايات المتحدة كما أساءوا إدارة البلد في وقت كان خلاله الشيوعيون مع «ماو» يبنون قوتهم ويتحضرون لتسلم السلطة. في سنة 1945، بدأت المواجهة القوية الحقيقية بين الصين والولايات المتحدة أي حتى قبل أن يعلن ماو ولادة الصين الشيوعية في 1/10/1949. بدأت المواجهة بالرغم من علم الفريقين بأن مصلحتهما تقضي بالتعاون في كل المجالات أي التجارة والاستثمارات والبيئة والعلوم وغيرها. لا شك أن الحربين في فيتنام وكوريا نتجتا عن هذا الصراع المبكر بين أميركا والصين.

 

لم يبدأ الاهتمام الغربي بالصين الا بعد الانزال الياباني في «بيرل هاربور» في أواخر 1941 والذي ثبت الانحياز الغربي للصين وضد اليابان. كانت الصين عاتبة على الغرب بسبب اهماله الأوضاع الآسيوية والتركيز على الأوضاع الأوروبية التي لا تعتبر في رأي الصينيين أكثر أهمية. في سنة 1945 وبسبب الحرب مع اليابان، خسر بين 20 الى 30 مليون صيني حياتهم. في سنة 1949 ومع استلام الشيوعيين الحكم، كان العمر المرتقب الصيني فقط 40 سنة. كما هو معلوم، لم يكن ستالين مقتنعا بالثورة الصينية وكان يعتبرهم غير مؤمنين بالنضال الثوري في العقيدة والواقع. كان ماو يقول انه لن يمارس الحكم كستالين، بل سيطبق الديموقراطية الغربية ضمن الواقع الصيني. استطاع جذب الغرب اليه ولكن ليس لفترة طويلة. الانحياز الصيني للاتحاد السوفياتي شكل فيما بعد ضربة قوية للأميركيين، أقله حتى زيارة كيسينجر وثم نيكسون الى العاصمة الصينية.

 

بالنسبة للصين وان يكن الاتحاد السوفياتي شيوعيا في العقيدة، الا أن الجار القوي يقلق دائما بينما أميركا بعيدة وبالتالي الخطر أقل والحرية في التصرف تبقى أكبر. الخلاف اليوم كبير بين واشنطن وبيجينغ على كل شيء، ربما بدأ من الجغرافيا الى السياسة والاقتصاد. التوسع الاقتصادي الصيني عبر الاستثمارات في أفريقيا والشرق الأوسط وغيرهما يقلقان واشنطن. لكن الفريقان ملمان بحدود المواجهة التي لا يمكن أن تكون عسكرية بالرغم من كل المشاكل المرتبطة بتايوان وهونغ كونغ. المهم أن تبقى المنافسة في حدود المنطق وضمن معايير السلامة وعدم المبالغة في الخوف والانعزال من قبل الفريقين. ربما الروس يبتسمون اليوم لمشاهدة المنافسة الاميركية الصينية تكبر الى حدود غير مسبوقة.

 

ما هي عوامل الضعف اليوم في الصين مقارنة خاصة بالولايات المتحدة؟ وهل ما زالت الصين تدهش العالم؟

 

أولا: في النمو السكاني حيث بالرغم من عدد السكان الكبير، الا أن العدد سينقص في العقود المقبلة على عكس الولايات المتحدة التي ستنعم بزيادات سكانية من الداخل أو عبر الهجرة.

 

ثانيا: في الجغرافيا، لا شك أن الولايات المتحدة تنعم بجيران أصدقاء ككندا والمكسيك وجنوبا نحو البرازيل. هنالك بعض العداوات التي لا تهز أمن الولايات المتحدة ككوبا وفنزويلا. على عكس الصين التي أعطتها الجغرافيا جوار قوي كروسيا واليابان وكوريا وغيرهم. أميركا مرتاحة الى الجيران بينما الصين لا بد وأن تكون قلقة وبالتالي تتوسع نحو القارات البعيدة.

 

ثالثا: في الطاقة، حيث تحتاج الصين الى النفط، ومن هنا أهمية الاتفاقية مع ايران. أميركا وبفضل النفط الصخري تصدره وبالتالي مرتاحة تجاه توافر هذه المادة المهمة للانتاج.

 

رابعا: في التكنولوجيا، لا شك أن الولايات المتحدة تبقى أقوى بكثير بفضل جامعاتها الرائدة ومعاهد البحوث الكبيرة. انتقال بعض هذه التكنولوجيا الى الصين سابقا ساهم في نهضتها وبالتالي في انتاج سلع بأرخص الأسعار احتاج اليها العالم وفي مقدمهم الولايات المتحدة نفسها. لا يمكن لأحد أن ينكر جودة التكنولوجيا الصينية في الطب والعلوم والأبحاث المتنوعة.

 

هنالك تحديات كبيرة تواجه القوة الصينية اليوم وستخفف من وهج النجاح بعد عقود من النمو المدهش. منها وجود تضخم أعلى فأعلى بسبب الاستثمارات الكبيرة داخلها. فجوة الدخل تتوسع في نظام سياسي شيوعي بالرغم من رأسمالية الاقتصاد. هنالك حدود واقعية تقف في وجه تكبير الفجوة الخطيرة. أما القطاع الأقل فاعلية فهو المالي والمصرفي حيث سيطرة الدولة كبيرة خاصة في دفع هذه المؤسسات الى تمويل القطاع العام دون الاهتمام بعاملي التكلفة والانتاجية. هنالك ضرورة لتطوير نظام الملكية وحمايتها بحيث تكون واضحة أكثر ومحددة بشكل أفضل. لا شك أن الصين تحتاج الى اصدار احصائيات شاملة دورية ودقيقة كي تزول الشكوك فيما يصدر عنها من أرقام وتحاليل.

 

أما الديون فهي في ازدياد وبالتالي لا يمكن ترك هذا المؤشر الكبير يكبر دون رقابة أو علاج. تبعا لصندوق النقد، تبلغ الديون نسبة 47% من الناتج في 2021 ارتفاعا من 37% في 2015 علما ان هنالك اجماعا على ان هذه الأرقام أدنى من الحقيقة والواقع. لا بد للصين من التفكير يوما في تسديدها خاصة وان عجز الموازنة هو في تزايد واضح مع حاجات الشعب الاستهلاكية المتغيرة والتعديلات الديموغرافية الحديثة.