لولا الكورونا، وربما تكلفة النقل والإقامة، لكانت الأحزاب والفصائل اللبنانية في معظمها، انتقلت الى الصين لتحلّ ضيفاً على الرفاق في الحزب الشيوعي الصيني وتتمتع بجمال الطبيعة الصينية وتغرف من تجربة بلاد العم ماو، قبل أن تعود بعقودٍ تجارية تنعش ماكناتها الانتخابية وتعزز صلابتها الايديولوجية.
لكن الظروف اقتضت ان تبقى الفصائل المذكورة في مكاتبها البيروتية، لتقيم اتصالاً بالزّوم مع الرفيق شي جين بينغ وتستذكر معه نضالات الرفيق ماو وكتابه الأحمر وتضحيات دينغ شياو بينغ وكيف وضع الأمبراطورية على طريق التقدم بنظامين رأسمالي واشتراكي بقيادة الحزب الشيوعي في تجربة فريدة من نوعها.
الأحزاب اللبنانية كلها تقريباً جلست في رعاية الرفيق بينغ، جلسة الندّ للندّ. أدلت برأيها في تطور الصين وأشادت بالبلد الذي تحن الى لقياه، لكنها اختلفت على طول الخط في رؤيتها لأوضاع بلدها اللبناني الذي يكاد يساوي مدينة صينية متوسطة. الرفاق في حزب المير طلال ارسلان كانوا حاضرين الى جانب الإخوة المرابطون، وحركة أمل لم تغب عن المناسبة، فيما كان التياران الأزرق والأورانجي يتباريان في التنويه بحيوية كتاب الجيب الأحمر… الجميع بدا مؤمناً ان الثورة تنبع من فوهة البندقية وان مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، لكنهم في انعكاس صينيتهم المستحدثة على أوضاع لبنانهم بدوا انتقائيين. فهذا التيار يتبنى الثورة الثقافية ويتهم التيار الآخر بأنه من عصابة الاربعة، وتلك الحركة تفضّل سياسة القفزات الكبرى، فيما حركة شقيقة تختار زرع وردة ولو ادمتها أشواكها…
كانت الأحزاب اللبنانية في المهرجان الصيني مثل ركاب بوسطة تنورين، يجمعهم السائق وتفرقهم الطريق. قدموا عرضاً شيقاً في انتهاز الفرص، وبياناتهم تستحق ان تُجمع في موسوعة “الإمتياز في فن الإنتهاز”. كانوا كمن يشارك في مهرجان خطابي على ظهر سفينة تغرق. قدموا كل الإحترام للبلد البعيد، ونسوا الشيء الأساسي الذي عليهم تحمل مسؤوليته، وهو بلدهم وشعبهم.
قيمة التجربة الصينية هي في هذه النقطة بالذات. فالحزب الشيوعي الصيني لم يستمر منذ مئة عام، بينها 72 عاماً في السلطة لولا الولاء العميق لبلده وشعبه، وهذا ما ينقص فرقة زجل المناسبات اللبنانية.
مبروك للحزب الصيني الشقيق مئويته، على أمل ان يتفادى في احتفالاته اللاحقة، الركاب الطارئين عليه وعلى شعوبهم.