Site icon IMLebanon

مجدّداً.. خفافيش ووهان   

 

فيما تحتضر أوروبا، وتقف أميركا أقوى دول العالم عاجزة أمام وباء كورونا، وفيما روسيا تدعو مواطنيها في موسكو إلى التزام منازلهم، وفيما أفريقيا تستعد لتفشّي الوباء فيها وسط مخاوف كثيرين من صعوبة التعقيم وغسل الأيدي بالماء والصابون في دولها الكثيرة التي تفتقد أصلاً للمياه، تتالت بالأمس الأخبار عن المدينة الصينيّة «ووهان» ـ أصل البلاء والوباء الذي يكاد يُهلك العالم ـ وسوقها البحري الذي خرج منه وباء كورونا ـ أعيد افتتاحه وأنّ شيئاً لم يتغيّر في الصينيّين فقد عادوا إلى بيع «الخفافيش والعقارب» وكأنّه لم يخرج من سوقهم الوباء، بل هم مصرّون على أنّ الوباء جاءهم من الخارج، أمام هذه الأخبار الوهانيّة انتشرت مخاوف واسعة من انفجار موجة ثانية من الوباء تحصد من الأوراح ما لم تحصده الموجة الأولى!

 

خلال الأعوام الخمسة الماضية سجّلت منظمة الصحة العالمية أكثر من ألف ومئة وباء في مناطق العالم المختلفة فقط، وللمناسبة أيّ وباء جديد قاتل يظهر يُطلق عليه «طاعون العصر» إشارة لما يمكن أن يسببه من خسائر في الأرواح، وعرف في أوروبا في القرن الرابع عشر باسم «الموت الأسود» وعرف في الشرق بعدة مسميات أشهرها «الفناء الكبير» وللمفارقة أصدر المركز القومي للترجمة كتاب «الموت الأسود جائحة طبيعية وبشرية في عالم العصور الوسطى» لروبرت. س. جوتفريد ترجمة وتقديم عبادة كحيلة، في تداعٍ للذاكرة من العصور الوسطى إلى الألفيّة الثالثة، من المفيد أن يعيد الإنسان تكبّره وتجبّره وفساده وكلّ ما ألحقه من أذى بهذا الكون وكلّ ما دعته إليه نفسه في التطاول على الله العزيز الجبّار الودود المتعال، عسى أن ينفعه هذا الاختبار باكتشاف عجزه وتضاءل حجمه!

 

العالم يتغيّر، وهو سائر باتجاه كارثة كبرى، قال علّامة العمران والحضارة ابن خلدون: «وأمّا كثرة الموتان فلها أسباب من كثرة المجاعات… أو كثرة الفتن… فيكثر الهرج والقتل، أو وقوع الوباء، وسببه في الغالب: فساد الهواء بكثرة العمران؛ لكثرة ما يخالطه من العفن والرطوبات الفاسدة. وإذا فسد الهواء وهو غذاء الروح الحيواني ومُلَابِسُه دائما، فيسري الفساد إلى مزاجه، فإن كان الفساد قويا وقع المرض في الرئة وهذه هي الطواعين، وأمراضها مخصوصة بالرئة»، فهل هناك أدقّ من هذا الوصف لطاعون كورونا الذي يحاصر العالم ويفتك به؟!

 

حتى الساعة، «كورونا» أقوى من كلّ محاولات التفسير العلمية التي تحدّثت عنه، وقد تساقطت النظريات من حوله قيل لنا أنّه لا يصيب الأطفال، فاتّضح لاحقاً أنه يصيب الأطفال، وقيل لنا أنّه لا ينقل العدوى من الإنسان إلى الحيوان، فاتّضح أنّه ينقل العدودى من الإنسان إلى الحيوان، أسوأ ما يمكن أن يواجهه إنسان هو التعامل مع «المجهول»، نظرة على فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها يعتصر قلبك الألم على هذا الموت بالجملة في أكثر دول العالم تقدّماً، والآتي أعظم وعلى العالم كلّه!

 

هل انتهى زمن الاتحاد الأوروبي؟ يبدو الأمر هكذا ترك إيطاليا لتموت وحدها وإغلاق الحدود معها يجعلنا نتأمّل في دول تتصرف على أنّها واحد فيما هي دول «يا ربّ نفسي» وأسوأ من ذلك، نظرة على فرنسا التي انزعج كبرياؤها من «تربيحها جميلة» من روسيا والصين على مساعدات قدّموها فيما فرنسا صدرت للصين كلّ مخزونها من الماسكات والمعقمّات، من دون أن تفكّر في لحظة وصول الوباء إليها والفتك بشعبها، إسبانيا وإنكلترا كلّ الدول الأوروبيّة العريقة تتهاوى أمام أعين الجميع،  العالم كلّه يتهاوى أمام أعيننا، ونتهاوى معه، وبانتظار الانفجار الثاني العظيم للوباء الصينيّون عادوا بهدوء إلى تناول الخفّاش حيّاً وحساءً!!