الاجتماع الصيني – اللبناني الذي انعقد مطلع هذا الاسبوع وحضره وخاطبه رئيس الوزراء هو اجتماع بالغ الاهمية اذا أحسنا التعامل مع الصين.
والواقع هو ان القطاع الخاص بدأ تعاونه مع الصين، اولاً عبر هونغ كونغ منذ 1956 عندما اسس عدنان وعادل قصار مكتباً لهما هناك لتطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين.
في ذلك الوقت كانت الصين منغلقة عن الانفتاح على العالم الخارجي. فماوتسي تونغ لم يفتح أبواب بلاده للتجارة والتعاون مع الخارج الا في بداية السبعينات وبعد تحسن العلاقات ما بين الصين والولايات المتحدة نتيجة مبادرات الرئيس نيكسون الذي شجعه عليها هنري كيسينجر.
بالطبع لم تكن الصين منغلقة تماماً عن العالم الخارجي. فسكان هونغ كونغ – الذين كان يبلغ عددهم عشرة ملايين اواخر الستينات – كانوا منفتحين على اسواق التجارة العالمية واستقطاب الاموال، كما ان تايوان التي هجر اليها الصينيون المناهضون للشيوعية منذ عام 1949 اخذت بالتطور صناعياً وتجارياً، وخلال الستينات والسبعينات كان الصينيون من أكثر الطلاب في الولايات المتحدة تميّزاً، وخصوصاً في علوم الحساب والفيزياء، والبرامج الالكترونية واسس الصناعات الالكترونية.
وقد أنجز الأستاذ في جامعة هارفرد David Halberstam كتاباً يستند الى احصاءات نتائج الطلاب الجامعيين في افضل الجامعات الاميركية في اختصاصات الحساب والفيزياء والبرامج الالكترونية، فكانت الحصيلة التي نشرها في كتابه وعنوانه “الأفضل والأذكى” The Best and The Brightest الصادر عام 1972 ان الطلاب الصينيين والهنود واليابانيين متميزون وأن الأكثر تميّزاً بين الفئات الثلاث هم الصينيون.
لا حاجة إلى تلخيص ردود الفعل على كتاب Halberstam، فقد انتقده بعض الكتاب المعروفين بميولهم الصهيونية واعتبروا انه عنصري لانه قدم ثلاث فئات من الطلاب الاجانب على الطلاب البيض الاميركيين.
الصين كبلد شيوعي بدأت مسيرة التوجه نحو الاسواق الحرة في الممارسات والتعيينات بعد عام 1978 تاريخ اقرارها سياسات اصلاحية في مجالات الزراعة والدراسة والاختصاص وارسال البعثات الدراسية الى الولايات المتحدة وفرنسا. فقد كانت للجنرال ديغول قبل استقالته عام 1968 نظرة ايجابية الى الصين وقدراتها الشعبية والعلمية، وتالياً أرسى اسس تعاون مع الصين قبل أي دولة صناعية اخرى.
بين 1978 و2008 والتحرر التدريجي لصناعات الصين، والانتاج الزراعي، وتوسع مجالات التعليم، والتركيز على علوم الفيزياء والمنتجات الالكترونية، حققت الصين المعجزة الاقتصادية الاجتماعية الأولى في القرن العشرين، والسنين العشر الاولى من القرن الحادي والعشرين.
ستمئة مليون صيني ارتقوا بمستويات معيشتهم الى مستوى معيشة الطبقة المتوسطة في البلدان الصناعية، وهذا العدد يساوي ضعفي مجمل عدد الاميركيين، ويزيد باكثر من مئتي مليون على مجمل عدد سكان السوق الاوروبية.
عام 2014 بلغ حجم الدخل القومي للصين مقوماً بالدولار 10٫4 تريليون دولار في مقابل 17٫4 تريليون دولار حجم الاقتصاد الاميركي و18٫9 تريليون دولار حجم انتاج دول السوق الاوروبية المشتركة.
والانتاج الصيني، اذا قوم بالقدرة الشرائية، يوازي أكثر من 15 تريليون دولار، وفي حال استمرار نمو الصين بمعدل 7٫5 في المئة في السنوات المقبلة، وهذا معدل معتدل قياساً بما تحقق في السنوات المنصرمة، سيتجاوز انتاج الصين بالقدرة الشرائية حجم الاقتصاد الاميركي.
والصين باتت الدولة الاولى عالمياً من حيث حجم تجارتها تصديراً واستيراداً، والصين تصنع السيارات، والطائرات، والاقمار الصناعية، والشرائح الذكية، والهواتف، واعمدة الارسال، وحاملات الطائرات، ومنتجات الغذاء على انواعها ومنتجات الدواء، واعداد الصينيين بين السياح عالمياً صار العدد الاكبر منذ سنتين على الاقل.
اليوم لدى الصين أكبر احتياط عالمي من العملات والذهب ويقدر هذا الاحتياط بـ3٫7 تريليون دولار منه نسبة الثلث موظفة في سندات الخزينة الاميركية. وتسعى الصين الى تخفيف الاعتماد على الدولار، وقد صارت العملة الصينية تغطي 8-9 في المئة من حركة التجارة العالمية، نتيجة اتفاقات مع كوريا وتايوان وقطر. وقد اسس الصينيون مصرفاً لتمويل البنى التحتية في آسيا برأس مال 100 مليار دولار، دفع منه 50 ملياراً وفتح المجال للاشتراك في المصرف لأطراف خارجيين، فأعلن البريطانيون نيتهم المشاركة فارتفعت الاحتجاجات الاميركية، علماً أن الولايات المتحدة تطالب الصين دوماً بتسهيل عمليات الاقراض. ولبنان على ما يبدو وبتشجيع من مصرف لبنان واستعداد بعض المصارف، أبدى رغبة في المشاركة في رسملة هذا المصرف، وهذه الخطوة مباركة وتلاقي نمو التبادل مع الصين.
منذ سنتين والصين تحتل المركز الاول في حجم الاستيراد اللبناني، وقد بلغت قيمة المنتجات الصينية التي استوردها لبنان عام 2013، نسبة 10.8 في المئة من مجمل المستوردات وبلغت 2283 مليون دولار واحتلت الموقع الاول بين جميع المستوردات. كما ان الوضع نفسه تكرر عام 2014، مع ارتفاع نسبة المستوردات من الصين قياساً بمجموع المستوردات الى 12٫01 في المئة ما يساوي 2484 مليون دولار.
والصينيون أظهروا استعداداً للاستثمار في تطوير وتنشيط معرض طرابلس الدولي، من غير أن يثير الاقتراح حماسة لدى اللبنانيين او الحكومة اللبنانية بصورة خاصة، وهم ابدوا استعداداً لإنجاز المحطة الكهربائية الثانية في منطقة نهر البارد بطاقة 500 ميغاوات تساهم في تغطية الحاجات من دون استمرار عمل المحطات العائمة التي تبلغ كلفة توليدها للكيلووات 23 سنتاً، في مقابل 11 سنتاً يقدرها الصينيون، والعمل متوقف على هذه المحطة لتأخير في المدفوعات، علماً أن الصينيين مستعدون لتمويل انجاز المشروع كاملاً وبشروط ميسرة.
امكانات التعاون مع الصين واسعة ومتنوعة، من شبكات الهاتف، الى تشغيل المرافئ، ومحطات الكهرباء، وربما اطلاق بعض الصناعات المتوسطة، لكن الحكم في لبنان مغيب عن الوعي لاختلافات كلها تتمحور على دور الأفرقاء المعنيين بتسيير الشأن العام، والاقتصاد يتقزم وكذلك قدرات القطاع الخاص ولا من يدرك.