مع مرور 50 عاماً على تأسيس العلاقات اللبنانية- الصينية، يكون لبنان قد نجح في اختبار تجاوز نصف قرن بصفر مشاكل، مع دولة تملك حق النقض في مجلس الأمن. إنّ دلّ ذلك على شيء فهو على قدرة هذا البلد الصغير وذلك العملاق على احترام بعضهما. ويدلّ ايضاً على انّ الدولة الكبرى التي لا تتدخّل في الشؤون الداخلية للبنان تبقى صديقة دائمة لكل اللبنانيين.
آن لنا نحن اللبنانيين ان لا نختصر نظرتنا الى الصينيين بصفتهم مقاولين محتملين للمساهمة في ورشة إعادة بناء البنية التحتية في لبنان ونقطة على السطر. بين لبنان والصين الكثير من الاتفاقات ذات البعد المعرفي والثقافي والسياحي والتعليمي.
بعض تجليات هذه الاتفاقات ظهرت في المِنح التي تقدّمها الجامعات الصينية للبنانيين من مختلف الفئات والمناطق، من دولة لم تظهر يوماً انحيازاً لفئة على اخرى في هذا البلد المنقسم على نفسه بشكل جلي.
مفهوم التنمية يتقدّم على مفهوم التعمير، وهو ما ذهب اليه الرئيس الصيني في كلمته امام الجامعة العربية عام 2016، مركّزا على الإبداع والريادة في علاقة الصين بالعالم العربي وضمناً لبنان. ويعتبر معهد كونفوشيوس الذي تستضيفه جامعه القديس يوسف، وكذلك مشروع إعادة بناء الكونسرفاتوار الوطني الذي تموّله بالكامل الحكومة الصينية، نموذجاً للعمل المشترك الثقافي الذي يمكن ان يكون بين البلدين، كجزء من بناء الحزام والطريق، وبعيداً من استقطابات الوضع اللبناني.
يمثل الشباب اللبناني في هذا الإطار ثروة واسعة من الاحتمالات للاقتصاد الصيني وللشركات الصينية عبر العالم. يمكننا ان نسترشد هنا بتعهد الشركات الصينيه للملك المغربي بتمويل مدينة طنجه التقنية، بما يساهم في خلق كادر مهني وفرص عمل يحتاج اليها قطاع التكنولوجيا المحلي والصيني.
حتى لو كان لبنان بلداً صغيراً، فإنّ تعزيز اواصر الصداقة والشراكة مع الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق في المنطقة العربية، سوف يعزّز من الفرص المتاحة امام الشباب اللبناني لصناعة مستقبله، اذا ما أحسنّا الاستفادة من الإمكانات التي تتيحها الجامعات الصينية والشركات الصينية، من تعليم وتدريب وتوظيف اللبنانيين.
أنفقت الصين في البلدان الواقعة على طول الحزام والطريق ما يفوق الـ 120 مليار دولار، وخلقت مئات الآلاف من فرص العمل في الدول التي اندرجت ضمن المبادرة، ولبنان أحد هذه الدول، ويمكنه ان يستفيد من كونه (مقارنة بالعديد من اشقائه) قد قطع شوطاً في تكوين الكفاءات في مختلف المجالات، بما يخلق إمكانيات تكامل كبيرة في مجال التعليم وتنمية الموارد البشرية.
تقوم الصين بتنظيم دورات تدريبية للكفاءات العربية وتقديم مِنح دراسية للطلاب العرب، وتشجع شركاتها على خلق فرص العمل والتدريب لهؤلاء الشباب. لقد التزمت الصين في البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني العربي، بمواصلة تعزيز تدريب الكفاءات العربية وتعميق التعاون الثنائي في التعليم والبحث العلمي والتدريب المهني وغيرها. خلال العام الماضي، تمّ رسمياً إقرار مشروع تحسين القدرات الاقتصادية للنساء والشباب اللبنانيين الذي تنفذه الحكومة الصينية بالتعاون مع برنامج الامم المتحده الانمائي، حيث انّ مخرجات هذا المشروع سوف تصبّ في زيادة مستوى دخل اللبنانيين واللبنانيات.
ربما على اللبنانيين ان يعلموا انّ مجرد تعلّم اللغة الصينية كلغة ثانية، قد يفتح الآفاق لعشرة اجيال مقبلة من فرص عمل في النظام الاقتصادي الصيني عبر العالم، وليس فقط في لبنان. يتطلب ذلك فهم حاجات الشركات الصينية على المدى المتوسط، وتطوير المناهج التعليمية بما يخدم الإندراج ضمن هذا النظام الاقتصادي الآخذ بالتوسّع. هناك فرص متاحة لتعليم اللبنانيين في الجامعات الصينية ولتدريبهم في الشركات الصينية، والحكومة الصينية تشجع على ذلك باستمرار، هذا ناهيك عن التبادل في مجال الأبحاث بين لبنان والصين، وفي هذا بلا شك مصلحة صافية للبنانيين.
تلعب التكنولوجيا دوراً هائلاً في خلق فرص عمل للشباب اللبناني، ويمكن للتعاون في مجال تعليم التكنولوجيات الحديثة في مختلف المجالات، الذي توفّره جامعات الصين، ان يكون ايضاً بوابة لخروجنا من نفق الفقر الذي دخلنا فيه. انّ الخبرة العميقة للشركات الصينية والمجتمع الصيني بالتجارة الالكترونية والشركات الناشئة عبر الانترنت، يمكن ان تشكّل مخارج للشباب اللبناني، وهي تتطلّب تفعيل اتفاقات وتوقيع المزيد منها، لتساهم في خلق هذه البيئة في مجتمعنا الصغير لتطوير البنية التحتية التعليمية والرقمية اللازمة للقيام بذلك.