IMLebanon

الصين، باكستان، قطر

خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني لباكستان اوائل هذا الاسبوع وقعت اتفاقات لتمويل مشاريع في باكستان، بينها وبين الصين، بقيمة 28,5 مليار دولار، وألحقت بهذه الاتفاقات بروتوكولات توازي قيمتها 16,5 مليار دولار سوف تنجز تفاصيلها في وقت قريب.

العلاقات بين الصين وباكستان كانت جيدة منذ الخمسينات، وحيث كان هنالك تشنج في العلاقات الصينية – الهندية كانت العلاقات مع باكستان ضرورية لإعطاء الصين حينئذ منفذاً في حال الضرورة الى المحيط الهندي وبحر العرب.

توازي قيمة العقود المنجزة والتي هي قيد التحضير ثلاثة اضعاف مجمل الاستثمار المباشر الاجنبي في باكستان منذ عام 2008، وبموجب الاتفاقات ستوفر الحكومة الصينية والمصارف الصينية، بضمانة الدولة الصينية، تمويلا للمشاريع التي تشملها هذه الاتفاقات.

ومن أهم المشاريع انجاز خط للسكة الحديد يمتد على 3000 كيلومتر من شمال غرب الصين، حيث غالبية السكان من الأويغور المسلمين، الى بحر العرب على الشاطئ الغربي لباكستان، ويمر الخط عبر كشمير الباكستانية كما عبر منطقة بلوشستان التي تعاني اضطرابات يجب ضبطها. والواقع أن الاويغور في غرب الصين معارضون للسياسات الصينية التي تكبح الحريات الدينية.

التعاون المقترح هدفه تحسين أوضاع منطقة وجود الاويغور كما منطقة بلوشستان في باكستان، والعمل على ضبط التعاون بين الحركات الاسلامية المتطرفة، ولكل من البلدين مصلحة في ذلك.

والمشاريع المختلفة تشمل، الى خط السكة الحديد، شبكات طرق تسهل التبادل التجاري والانتقال، انابيب لنقل الغاز والنفط، زيادة استعمال الطاقة الشمسية (والصين باتت أكبر منتج لألواح الطاقة الشمسية في العالم) وشبكات الطاقة الهوائية ومشاريع الطاقة والاتصالات، وسوف تقام شبكة من الالياف البصرية fiber optic بين البلدين لتسهيل الاتصالات وتعميمها.

لقد صارت الصين الدولة الاولى في العالم في مجالات انجاز شبكات الاتصال الرقمي، كما هي تنتج أكبر عدد من الهواتف المحمولة الذكية. وقبل سنتين اسس شاب صيني متخرج من معهد علوم التكنولوجيا في بيجينغ شركة لانتاج الهواتف الذكية واستطاع خلال عام 2014 تسويق 61 مليون جهاز هاتفي محمول في الصين، وسبق تالياً شركة “هوواي” الصينية وشركة “آبل” الاميركية. والصين هي الدولة الكبرى المنتجة للشرائح الذكية التي تعتمد عليها مختلف الشركات العالمية، والشاب الصيني المشار اليه طرح اسهم شركته في السوق فحازت قيمة 22 مليار دولار، وبات ثاني اغنى اغنياء الصين وهو يرفض تشبيهه بستيف جوبز مؤسس شركة “آبل”.

ان اتفاقاً كهذا يفوق مثلاً كل الاستثمارات الاميركية في اميركا الجنوبية، ولا بد من التساؤل عن اسبابه، ولا شك في ان الاسباب كثيرة سنكتفي منها بعرض سببين.

الصين باتت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي الدولة الاولى من حيث حجم تجارتها الخارجية، والحديث عن ان نموها تباطأ، فيه مقدار من السخافة. فمعدل الـ7,4 في المئة للنمو عام 2014، كان يساوي قيمة ما تحصل من الـ8 في المئة في العام السابق، وفي أي حال ليس ثمة بلد صناعي يقرب معدله من النمو في الصين. فالبريطانيون فرحون بان نمو الاقتصاد سيكون في 2015 على مستوى 2,8 في المئة، وفرنسا لن تحقق معدل الـ1 في المئة، وايطاليا قد تشهد نمواً سلبياً، والمانيا الدولة الاوروبية الكبرى لن تنمو بأكثر من 1,5 الى 1,8 في المئة.

ولدى الصين احتياط نقدي يوازي 3,8 تريليون دولار، منه 1,2 تريليون مستثمر في سندات الخزينة الاميركية، وتالياً تبحث الصين عن استثمارات مجدية في مختلف بقاع الارض.

اما باكستان، وان تكن تعاني اضطرابات داخلية ومشاكل مزمنة نظراً الى كثافة السكان وتردي منشآت البنية التحتية، فهي دولة اسلامية كبرى تحوز تقنية انتاج القنبلة النووية وهي البلد الاسلامي الوحيد الذي يحوز هذه القدرة، على افتراض ان ايران ستكتفي بانتاج الاورانيوم الذي يستعمل في توليد الكهرباء، او المعالجات الطبية، او المسائل العلمية. وبما ان الصين وباكستان تعاونتا منذ عقود، كان من الطبيعي ان تجد الصين مجالاً واسعاً للاستثمار الاقتصادي والسياسي في باكستان.

على صعيد آخر، وفي بلد اسلامي صغير متمتع بثروة غازية وافرة، وثروة نفطية معقولة، هو قطر، توصلت الصين الى اتفاق مع السلطات النقدية القطرية يعتبر من الخطوات الريادية في توسيع رقعة التعامل بالعملة الصينية اليوان من دون طرق ابواب المصارف الاميركية. فقد صارت الدوحة مركزاً لتصفية حسابات المستوردين في الشرق الاوسط من الصين باليوان، وهذه خطوة كبيرة الاهمية لان تجارة الصين مع بلدان الشرق الاوسط – أي صادراتها الى الشرق الاوسط – تبلغ 150 مليار دولار، ومستوردات الصين من الغاز القطري والنفط الايراني تساوي مليارات الدولارات ايضا، ولذا فان السوق مهيأة لانجاز العملية المؤسسة حديثاً.

هذا الترتيب الجديد له منفعة واضحة لقطر، وقد رحبت ادارة بنك قطر الوطني بالاتفاق واعتبرت انه يسهل التعامل مع الصين، وينشط العمل المصرفي في قطر، ويخفض نسبة الدولار في الاحتياطات الصينية. وبنك قطر الوطني اصول ميزانيته 148 مليار دولار وهو المصرف العربي الاكبر، ورأس ماله يزيد على رؤوس اموال المصارف اللبنانية الـ80، كما ان ارباحه تزيد على مجمل ارباح القطاع المصرفي اللبناني، علماً بأن موظفيه في شبكته المنتشرة في 26 بلداً عددهم 14 الفاً في مقابل نحو 22 ألفاً في المصارف اللبنانية.

والصين تسعى منذ سنوات الى خفض نسبة الاعتماد على الدولار في معاملات التجارة العالمية، وقد عقدت اتفاقات على اعتماد اليوان مع كوريا وتايوان، واذا توصلت الى انجاز اتفاق مماثل مع اليابان قد تزيد حصة اليوان من تمويل المبادلات الدولية من 7 الى 9 في المئة والخطوة مع قطر مدماك اضافي هذه المسيرة.