Site icon IMLebanon

الصين.. عالم الغد الذي تخشاه الولايات المتحدة

أوباما… «المشلول» عن كل فعالية في العمل والإنتاج السياسي والإقتصادي والأمني والذي أصاب انكفاؤه شبه الكامل عن القيام بحدّ أدنى من موجبات الرئاسة الأميركية، في منطقة الشرق الأوسط مكتفياً بتقديم مزيد من التراجعات السياسية والميدانية خاصة على ساحة الأحداث الدراماتيكية التي تسود المنطقة، وبالأخص الساحة السورية والتي تكتفي في هذه الايام بإنتاج آلاف القتلى والمصابين والمشردين والمذبوحين في العراء أو في سجون النظام وأقبية مخابراته. وكان أوباما الذي سبق للعرب أن تفاءلوا بسمرة بشرته وحلوله في المقام الأميركي الأول والأفعل، فإذا به يهرب من ساحات المسؤولية المعنوية والإنسانية، ويعلن للعالم بأن لا مصلحة للولايات المتحدة في تغطيس نفسها في «المشاكل» العربية، دون أن يرتدع عن تغطيس بلده في النزاعات التي أدخلتها إيران على الساحات العربية وعن افتعال الإشكالات الإنقلابية مع تركيا فإذا بهربه منذ بداية الأحداث يخفي جملة من الخبايا والخفايا الخطيرة التي جعلت من مخابرات بلاده وقواها الفاعلة مسيّرة إلى حد بعيد بالأصابع الإسرائيلية، وإذا بخلفيات نشأة الكيان الداعشي بتلك الصورة التي أطلقها النظام السوري لحماية ذاته ومنع «أسده» من السقوط، تظهر إلى الوجود العملي الفاعل من خلال استثمار شديد الإنتاج للسلطة الأميركية التي أمسكت بالعالم العربي، مغرقة إياه في بحار من الدماء وعوامل خبث متجددة التهمت كل ثرواته واطبقت على كثير مما حققه من مظاهر الإنماء والإعمار، وقد بدأت تنكشف يوماً بعد يوم حقيقة البعبع الداعشي الذي اختلقه النظام السوري واستغلته واستثمرته المخابرات الأميركية «بالتعاون والتفاهم مع روسيا» إلى أقصى الحدود، وها هي داعش ما تزال حتى الآن على قيد الحياة وفقاً للميزان الأميركي، تشده تارة وترخيه تارات والهدف تحقيق المصلحة الأميركية مهما خلّفت من قتل ودمار. وها نحن مجبرون في سوريا والعراق واليمن وفي أكثر من موقع عربي وإعلامي على اللجوء إلى الحمايات الأميركية المستعجلة والإمكانات الأميركية في حقول الإنماء والتطوير الإقتصادي والتسلحي، بعد أن باتت أرجاء واسعة من هذا العالم العربي، مدناً وقرى وجيوشاً وطاقات مدمرة، وبعد أن باتت الثروات العربية الدفينة مصادرة في انتاجها المستقبلي منذ الآن، ضماناً لإستمرارية الولايات المتحدة خاصة والعالم الغربي عموماً في احتلال المرتبة الأولى لذلك الإستعمار الأميركي – الروسي الحديث، الذي أطبق على أعناق العالمين العربي والإسلامي، بأشد الأساليب خبثاً وتمثيلاً ووحشية.

أوباما اليوم… أصبح، وقد شارفت ولايته على الانتهاء، عصفوراً لا يحميه إلا القليل من الرّيش الذي تَعْمدُ القوى الإقتصادية والمخابراتية إلى نتفه عن جسده، ريشة بعد ريشة، ولا شك أنه سيترك لخليفته المتوقعة هيلاري كلينتون إرثاً ثقيلاً، سواء في هذه المنطقة من العالم حيث لم يترك أوباما فيها إلاّ مزيداً من دواعي العداء والحقد والإنكفاء عن مواكبة الركب الأميركي، أم في مناطق أخرى، باتت تستقوي على أقوى قوة في العالم بكثير من الجرأة وممارسات الإقتحام، وهذا ما فعلته روسيا في أكثر من مكان وبالخصوص في سوريا، وهذا ما تتوقعه الولايات المتحدة نفسها على مدى العقود المقبلة، من تحسّبات للعملاق الصيني الذي بات ينطلق إقتصاديا وعسكريا وتقنيا وسياسيا بحجمه الكبير، إلى قمم أكبر، قد تتجاوز في إمكاناتها يوما ما، ذلك الكيان الأميركي الكبير الذي فرض نفسه على مدى يناهز قرنا مضى من الزمن، زعيما ومتحكما أوحد بالعالم كله، يُعلي فيه من يشاء ويُذلّ من يشاء، وهكذا ألغت الولايات المتحدة من الوجود، خصمها الأكبر، وهو الإتحاد السوفياتي وما شكّله في وقت من الأوقات من خصومة شبه متوازية ومتساوية، متمثلة خاصة بالولايات المتحدة الأميركية وأسراب الدول التي تواكبها وتجاريها.

ها هي روسيا اليوم تختلق المشاكل والمجابهات في كل مكان، وتفتعل النزاعات حفظا لأماكن لها على طاولات دولية مرتقبة للمفاوضة تتحدد فيها وجهات العالم كلّه ومن بينها اليوم: سوريا الذبيحة. ولكن العين الحمراء الحقيقية التي تنظر بها الولايات المتحدة ممثلة بقواها الرئيسية الفاعلة (وليس بأوباما، العصفور منتوف الريش) هي تلك العين الموجهة نحو ذلك العملاق الخارج لتوه من جملة من القماقم: الصين، هنا يكمن التخوف الأميركي المستقبلي، وهنا نقاط الضعف الأميركية التي ستحاول جاهدة التخلص منها نقطة نقطة، وفي الوقت نفسه تحاول الصين لملمة ما حولها من طاقات وإمكانات مختلفة الأحجام مشكّلة خاصة من عمالقة صغار آخرين، ولعل في طليعة القوى التي تطمح الصين في ضمها جديا إلى صفوفها المرتقبة، روسيا نفسها، وبقدر ما نعاني في المشرق العربي من دواعي التمزق والإنحدار، بقدر ما يتشكل في العالم، عمالقة متعددون، قديمهم الولايات المتحدة، وجديدهم المقبل، الصين.