Site icon IMLebanon

أولويّة الإدارة الأميركية في لبنان «ثروته النفطيّة».. وليس الانتخابات النيابيّة ونتائجها

شينكر شاهدٌ من أهلها بأنّها «سرّعت الانهيار المالي».. ولا تعوّل على «قوى التغيير»

 

تحتاج نتائج الإنتخابات النيابية التي جرت الأحد الفائت في 15 أيّار الجاري، الى قراءة هادئة ومتأنية لا سيما بعد إعلان النتائج النهائية بشكل رسمي من قبل وزارة الداخلية والبلديات، رغم التشكيك من قبل جهات عديدة في الداخل بعدم حصولها حتى بعد إجراء انتخابات المغتربين في 6 و8 منه في 58 بلداً في العالم… وما لفت عشية إجراء الإنتخابات في الداخل، ما أدلى به مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق ديفيد شينكر من «تصريحات خطرة» تتعلّق بالدور الأميركي الذي أدّته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في لبنان، من أجل تسريع الانهيار المالي، وما قامت به بشأن استغلالها لانتفاضة «17 تشرين» من أجل تشويه صورة «حزب الله» وحلفائه في لبنان. فضلاً عن قوله «أنا شخصياً لست متفائلاً بعد الإنتخابات». فهل فتحت صفحة جديدة من تاريخ لبنان في 16 أيّار أي بعد يوم من انتهاء العملية الإنتخابية، على ما كانت تتوقّع دول الخارج، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، أم أنّ المجلس النيابي الجديد يعود بمكوّناته السياسية نفسها، وإن زاد عدد نوّاب بعض الكتل على حساب كتل أخرى، وفوز المجتمع المدني بعدد من المقاعد النيابية، أي مع تغييرات طفيفة؟ّ! وهل سيؤدّي التغيير الحاصل في مجلس النوّاب الى حلّ سريع لمشاكل المواطنين، وقضايا المودعين، ومسألة الكابيتال كونترول وقطاع الكهرباء والى خفض سعر الدولار الأميركي مقابل ارتفاع القدرة الشرائية لليرة اللبنانية مجدّداً، والى الحدّ من غلاء أسعار المحروقات والسلع الغذائية والدواء وسواها؟!

 

أوساط ديبلوماسية عليمة أكّدت أن هذه التساؤلات ستجيب عليها المرحلة المقبلة.. ولكن يبدو أنّ ما حصل في لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لم يأتِ بسبب سوء سياسات الحكومات المتعاقبة فقط، بقدر ما أتى نتيجة ما كان يخطط للبنان من قبل دول الخارج، لا سيما من قبل الإدارة الأميركية. وقد شهد شاهد من أهله، مع تصريحات شينكر الأخيرة التي أعلنها قبيل الإنتخابات النيابية خلال ندوة أجراها معهد واشنطن، تحت عنوان «ديناميات «حزب الله» والشيعة وانتخابات لبنان: التحديات والفرص والتداعيات السياسية». وصحيح انّ ما قاله، لم يكن مفاجئاً، غير أنّه يُعتبر إعلاناً صريحاً جاء على لسان مرجع رسمي صرّح بوضوح عمّا تضمره الإدارة الأميركية للبنان.

 

وأشارت الى أنّ انتفاضة 17 تشرين الأول من العام 2019 التي «ثار» فيها الشعب اللبناني على السلطة السياسية، معتقداً أنّه هو الذي بادر الى «الإنقلاب» على الأحزاب والقوى السياسية، سرعان ما ظهر بعد 4 أيّام فقط أنّها «إنتفاضة مزيّفة»، كونها كانت مدعومة من سفارات دول الخارج بهدف إحلال الإنهيار المالي والإقتصادي في البلد. والدليل على عدم مصداقية الإنتفاضة هو عدم توحّد مجموعات المعارضة والمجتمع المدني في لوائح إنتخابية واحدة تُنافس فيها لوائح السلطة بشكل «بلوك قوي» يُطيح بها. وقد أكّد شينكر على انقسام هذه المعارضة «بصورة مريعة»، على ما قال، مشيراً الى أنّها «تمتلىء بالقادة النرجسيين والشخصانيين، والذين هم مهتمّون أكثر بأن يتزعّموا أحزابهم، على أن يتوحّدوا للإطاحة بالسلطة الفاسدة». كما اعتبر أنّ «المجموعات (أو الأحزاب) الصغيرة ستأكل بعضها البعض ولن تربح ما يكفي من المقاعد لإحداث تحوّل في التوازن».

 

ولكن ما الهدف من سعي الإدارة الأميركية لإرساء الإنهيار المالي في لبنان، تُجيب الأوساط نفسها أنّ «كلّ ما يهمّها في لبنان حالياً هو «ثروته النفطية»، وليس إسقاط الأكثرية التي سادت في مجلس النوّاب خلال الدورة السابقة، وتحديداً «حزب الله» وحلفائه الذين فرضت عليهم العقوبات الإقتصادية والمالية.. أمّا مقولة إحداث التغيير من قبل الشعب اللبناني نفسه، وخلق «كتلة نيابية تغييرية من المجتمع المدني» في المجلس النيابي، من خلال الإستحقاق الإنتخابي وإدلاء الناخبين بأصواتهم في صناديق الإقتراع تحديداً، على ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة، فقد اكتشفت سريعاً، وقبل إجراء الإنتخابات أنّه لن يحصل… فقد تيقّنت الإدارة الأميركية وفق معلومات خاصّة بها، أنّه مهما بلغ عدد نوّاب المجتمع المدني في المجلس النيابي الجديد، فهو لن يتمكّن من قلب الطاولة، أي الحلول محلّ الأكثرية النيابية، ما يجعل الأمور تبقى على حالها.. ولهذا لم تسعَ الى توحيد مجموعات المعارضة والمجتمع المدني، سيما وأنّ عدداً منها يُمثّل موجة التغيير الفعلية التي قامت في البلاد بعد «انتفاضة 17 تشرين».

 

وتقول بأنّه في مطلق الأحوال، فإنّ أكثر ما هدفت إليه الإدارة الأميركية من إيصال لبنان الى انهيار إقتصادي ومالي غير مسبوق، هو تأليب الشعب اللبناني على «حزب الله» وحلفائه، فضلاً عن الضغط على المسؤولين اللبنانيين «للتنازل عن حقوق لبنان البحرية على طاولة الناقورة خلال المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي»، وإعطاء حليفتها «إسرائيل» كلّ ما تريده في مسألة الإستيلاء على أكبر حجم ممكن من الثروة النفطية الموجودة في عمق البحر في منطقة الشرق الأوسط. غير أنّها لم تتمكّن من الحصول على هذا التنازل، على ما شدّدت، وإن أعلن المسؤولون أنّ حدود لبنان البحرية هو الخط 23، وليس الخط 29، على ما فاوض الوفد العسكري اللبناني على طاولة الناقورة، سيما وأنّهم «علّقوا» أو رفضوا قبولهم بعرض الوسيط الأميركي في هذه المفاوضات آموس هوكشتاين بطريقة أو بأخرى، سيما وأنّه لم يعطهم الخط 23 بكامله، على ما وعدهم، بل قام باجتزاء أقساماً منه لمصلحة العدو الإسرائيلي. وهذا الأمر يجعل لبنان قادراً بسهولة على العودة الى التمسّك بالخط 29 التفاوضي، وإن لم يقم بعد بتعديل المرسوم 6433 بالإحداثيات الجديدة التي رسمها الجيش، وإرساله الى الأمم المتحدة.

 

وذكرت الأوساط عينها أنّ ما حصل في العراق وسوريا، يجري اليوم في لبنان من قبل الإدارة الأميركية، التي لا يهمّها في هذه الدول سوى «وضع يدها على الثروة النفطية فيها»، وعدم ترك الخيار لكلّ منها باستغلال هذه الثروة بنفسها، من دون أي تدخّل من قبلها فيها تحت ذرائع واهية عدّة. فقد شنّت الولايات المتحدة الحرب في العراق على الرئيس صدّام حسين بحجّة امتلاكه للأسلحة النووية، وبعد أن اقتلعته من الحكم، ودمّرت البلاد، وهدّمت كلّ ما يمّت للحضارة والثقافة من صلة داخلها، ومن ثمّ أعدمته، اكتشفت فجأة أنّه لا يملك مثل هذه الأسلحة.. غير أنّها وضعت يدها على ثروة العراق النفطية قبل أن تخرج منها وتركتها مهدّمة على جميع الصعد. وكذلك فعلت في سوريا من خلال تدخّلها فيها، وهي اليوم غير مهتمة سوى بما تملكه من ثروة نفطية عند الحدود الشمالية مع لبنان.. وفي لبنان الأمر نفسه، لم يعد لديها أي أولوية فيه، لا الإنتخابات ونتائجها، ولا الإستحقاق الرئاسي المقبل، إنّما ثروته البحرية من الغاز والنفط، لا سيما بعد المسح الذي أجرته في وقت سابق في المياه اللبنانية، وتأكّدت من وجوده فيه بغزارة.. ولهذا ضغطت على فرنسا لعدم استكمال عملها في الإستكشاف والتنقيب عن الغاز في البلوك 4، وعلى شركة «توتال» الفرنسية بالتالي لعدم إصدار تقريرها المتعلّق باستكشافاتها الأولية فيه.. كما مارست عليها الضغوطات نفسها لكي لا تبدأ عملها في البلوك 9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان، على ما كان مقرّراً، ما جعلها تؤجّل تاريخ بدء الأعمال فيه مرّات متتالية عدّة.

 

وبرأيها، أنّ الولايات المتحدة، لا يهمّها «الإستثمار» في قوى «مجموعات المعارضة والمجتمع المدني» بقدر ما يهمّها أن تستثمر «في ثروته النفطية».. هذه الثروة التي بإمكانها أن تدفع ديونه المتراكمة، وأن تُحسّن وضعه الإقتصادي والمالي لعقود عدّة مقبلة، وأن تؤمّن مستقبلاً أفضل لأبنائه، الذين اتخذ معظمهم القرار بالهجرة بفعل الإنهيار «المفتعل»، وذلك بحثاً عن فرص العمل في الخارج.. غير أنّ هذا الأمر لا يُمكن أن يحصل إلّا في حال تركت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها «الخيار» للبنان بأن يُلزّم عمليات التنقيب والإستكشاف للشركات الدولية النفطية التي تفوز بدورة التراخيص الثانية التي «عرقلتها» نظراً للإحتجاجات الإسرائيلية عليها.

 

وكان أعلن شينكر فيما يتعلّق بتوقّعاته عمّا ستؤول إليه الإنتخابات النيابية، أنّه «على الرغم من الإحتجاجات التي حدثت في العام 2019، والسخط الشعبي المتّسع في لبنان، فإنّني لا أرى أنّ الإنتخابات ستُغيّر الوضع بصورة دراماتيكية»، مشيراً الى أنّه «ليس متفائلاً بهذه الإنتخابات، ولا أعتقد أنّ على الإدارة الأميركية أن تُراهن عليها».. ولعلّ كلامه هذا يؤكّد على عدم مراهنة الولايات المتحدة على الإنتخابات التي جرت الأحد المنصرم، ولا على نتائجها.