شيراك والـ 1559 وتراجع الأحادية الأميركية
الوداع الدولي لجاك شيراك اليوم يضيء على موقعه في السياسة الدولية كوريث أمين للسياسة الديغولية.
وإذا كان العرب تذكروا بوفاته أنه صديق للعرب، واللبنانيون، وخصوصاً من السياديين، اعتبروه الصديق عند الضيق، فما من شك أن المنطقة ولبنان تأثرا بالموقف الاستقلالي الديغولي عن السياسة الأميركية في الظروف الدولية التي تحكمت بالعالم لا سيما في بداية الألفية الثانية، التي اتسمت بتصاعد مظاهر الأحادية الأميركية في إدارة أزمات العالم في عهد جورج دبليو بوش.
لم يخرج شيراك عن طموح شارل ديغول لتصدر فرنسا مشروع قيام قوة ثالثة مقابل ثنائية موسكو وواشنطن. مقاومة الأحادية الأميركية كان استمراراً لهذه الذهنية، وبهذا المعنى سبق شيراك فلاديمير بوتين في السعي الى عالم متعدد الأقطاب، حين تقدم القادة الدوليون الذين عارضوا اجتياح أميركا للعراق. قال للأميركيين الذين حددت أهدافهم مجموعة ما كان يسميه “المحافظون الجدد المجانين” أن “في استطاعة الولايات المتحدة بقوتها الهائلة أن تحتل العراق لوحدها لكنها ستحتاج إلى مساعدة العالم كله للخروج منه”.
كان من الطبيعي ألا يأخذ أمثال وزير الدفاع الأميركي في حينها، دونالد رامسفيلد بنصائح شيراك، الذي وصف أوروبا وقادتها في حينها بالقارة “العجوز”، بنصيحة شيراك. حتى عندما اقترح على بوش الإبن بعد احتلال العراق، أن تتخلى واشنطن عن إدارته بنفسها وتخلي الساحة لإدارة دولية تحت مظلة الأمم المتحدة، تؤمن تعافيه، أصر الأخير على التفرد الذي قاد إلى الكوارث اللاحقة التي استفادت منها إيران لبسط نفوذها في بلاد الرافدين.
لم يقتنع بوش بعقم الأحادية إلا في العام 2004، بعد أن غرقت قواته في وحول العجز عن استكمال سياستها بناء الديموقراطيات في المنطقة وفق نظرية الدومينو وصولاً إلى الشرق الأوسط الكبير.
الاعتراف الأول لبوش بعقم التفرد كان حين قبل مع شيراك بتحقيق هدف إخراج القوات السورية من لبنان وفق القرار الدولي الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن، والذي اكتفت روسيا والصين وعدد من الدول بالامتناع عن التصويت ضده، مسهلةً نفاذه.
استفاد لبنان، من اللحظة أي من المؤشر الأول لتراجع الأحادية الأميركية. وبشار الأسد لم يستوعب معنى ذلك فاضطر للانسحاب منه مكرهاً، مع أنّ الثمن كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
إلا أن اضطرار واشنطن للقبول بأحد نماذج التعددية والتعاون مع الدول النافذة الأخرى لم ينتج نهجاً أميركياً جديداً في العلاقات الدولية لا سيما في التعامل مع مصالح روسيا. بدلاً من ذلك ذهبت أميركا نحو العزلة كرد فعل على فشلها في العراق، واتبعت سياسات تقوم على صوغ اتفاقات مع القوى الإقليمية المحورية، ومنها إيران. وها هي تتخبط في نتائج تلك الاتفاقات، تاركةً الفوضى تعمّ في انتظار قيام نظام دولي جديد.