IMLebanon

الـ”كوليرا” يهدد مجتمعات السوريين منذ بداية لجوئهم الى لبنان

 

إجراءات ما قبل ظهوره قد لا تكون كافية لما بعده

 

 

 

مع أن الـ»كوليرا» طرق باب مخيمات اللاجئين السوريين في البقاع منذ الأسبوع الماضي، لا يبدو أنّ المنظمات الداعمة لهم في لبنان، وفي طليعتها الـ UNICEF مستعجلة لاتخاذ الإجراءات التي تسهم بالحدّ من تفشيه.

 

يكشف رئيس بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين لـ»نداء الوطن» أنه تواصل مع مسؤولي المنظمات في الأسبوع الماضي داعياً إياها الى لقاء يعقد في البلدية من اجل البحث في خطة سريعة تعيد تأمين كميات المياه النظيفة اللازمة للعائلات السورية وإعادة كميات شفط المياه الآسنة الى ما كانت عليه سابقاً، كما كانت قد وعدت اليونيسف. إلا أن ممثلي هذه الجمعيات لم يحددوا بعد موعداً للقاء، ولا اتخذوا إجراءات عملية حيال المطلبين المحددين، ما اعتبره ياسين أنه سيدفع لإتخاذ إجراءات بحق اللاجئين، «لأنه مهما بلغت درجة تضامننا مع الشعب السوري فإننا في المقابل لن نسمح بانتقال الوباء الى أهلنا جراء إهمال النظافة وأهمية تأمينها في هذه المخيمات».

 

وكان ياسين جمع في نهاية الأسبوع الماضي المسؤولين عن كل تجمعات السوريين في بلدته، للحث على موضوع النظافة، والتشديد عليه، ومنع إستقبال زوار من خارج المخيم يمكن أن يحملوا الوباء اليه، بالإضافة الى ضرورة التبليغ فوراً عن أي حالة مشتبهة فورا.

 

إجراء ستلجأ اليه بلديات محافظة البقاع تباعاً بعد التعميم الذي صدر عن محافظ البقاع كمال أبو جوده في هذا الإطار، في ظل التفاوت الذي ظهر بين القرى من حيث تطبيق قرارات اليونيسف بالعودة عن موضوع تقشفها السابق في مسألة المياه.

 

في المقابل، لا يسمع في مجتمعات اللبنانيين عن خطة طوارئ للتعاطي مع الوباء في حال تفشيه فعلياً داخل المخيمات، وهذا ما يفاقم المخاوف من تداعيات هذا التفشي وانعكاساته، ليس فقط في قرى البقاع التي تحتضن أكبر تجمعات النازحين، وإنما في كل المناطق التي تمونها أراضي البقاع الواسعة بمواسم الخضار تحديداً. خصوصا أن عدداً كبيراً من هذه المخيمات موجود مباشرة على مجرى نهر الليطاني ومجاري الينابيع التي تتغذى منه ولا سيما الغزيل والبردوني، وقد شكل ذلك موضوعاً لكتب عدة أرسلتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الى الوزارات المعنية منذ سنة 2018، لمطالبتها «بمنع إقامة المخيمات على ضفاف النهر، وفي حال اقامتها اتخاذ الإجراءات الصحية ومنها انشاء شبكات صرف صحي تنتهي بمحطة تكرير أو بمخرج آمن، وبكل الأحوال الطلب من البلديات تنظيف المخيمات مع توجيه الجهات المانحة لمراعاة هذا الجانب البيئي في تمويلها لقضايا النزوح واعتبار مقتضيات حماية البيئة والنظافة موازية للمساعدات الغذائية وربط أي أنشطة مستقبلية بتحقيق هذه الغاية».

 

علماً أن هذه المسألة كانت شكلت موضوع متابعة أيضا مع مفوضية اللاجئين وقد أكدت لها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في أحد كتبها عدم موافقتها على إقامة أي تجمعات للنازحين على ضفاف نهر الليطاني، بعدما ضمنت كتابها إحداثيات بـ 32 موقعاً لمخيمات تقام مباشرة على مجاري الليطاني والغزيل والبردوني، وقد رفضت المصلحة في كتابها تحويل مياه الصرف الصحي الى النهر مباشرة، وتفريغ ما يعبّأ منها بالصهاريج في النهر مباشرة، وطلبت معالجة هذه الأوضاع الشاذة في أسرع وقت، وتكييف برامج رعاية النازحين على ضوء مقتضيات حماية نهر الليطاني والموارد المائية.

 

وقد تذرعت المفوضية حينها وفقا لكتاب موقّع من ممثلة مكتب المفوضية في بيروت والذي حصلت «نداء الوطن» على نسخة منه «بأن المفوضية ليست هي من حدد مواقع المخيمات بل تولى النازحون السوريون منذ بدء الأزمة في سوريا تدبير مكان إقامتهم بأنفسهم وبتواصل مباشر مع المالكين اللبنانيين، إذ لم يتم إنشاء مخيمات منظمة لهم»، وأن «هناك حدوداً لمدى إمكانية تطبيق حلول مستدامة لمياه الصرف الصحي في مخيمات النازحين بسبب القيود المفروضة على إنشاء هياكل أكثر ديمومة، مثل خزانات الصرف الصحي».

 

إلا ان المفوضية أوضحت بالمقابل أنها وضعت مع اليونيسف والمنظمات الشريكة برنامجاً للصرف الصحي يهدف الى تفريغ وإزالة الحمأة من المراحيض المنتشرة في 3800 تجمع ومخيم غير رسمي في جميع انحاء البلد، بما في ذلك المخيمات القائمة على ضفاف الليطاني، على ان يتم نقل هذه المياه الى محطات المعالجة المعتمدة من المتعهدين، لتقرّ بالمقابل أن هناك 6.5 بالمئة من تجمعات النازحين غير الرسمية لم تمتثل بالكامل للمبادئ التوجيهية المقررة لإدارة مياه الصرف الصحي.

 

وفقاً لمدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية، «فإن الكتاب الموجه الى المفوضية حينها يحدّد كميات مياه الصرف الصحي الناتجة عن المخيمات التي تصب مباشرة في الليطاني أو في مشاريع الري بنحو مليوني متر مكعب». وعلى رغم الإستحصال على تعهد من المفوضية بمعالجة الازمة ضمن التواريخ المحددة بكل حالة من الحالات، على أن ينتهي العمل بذلك في سنة 2019، يقول علوية: «نحن اليوم أصبحنا في سنة 2022 وعلى رغم البدء بعمليات شفط المياه الآسنة من المواقع التي تشكل خطراً على السلامة العامة، فهي لم تستكمل ضمن الجدول الزمني الذي وضع، بل رأينا أنه ابتداء من عام 2022 توجه المجتمع الدولي من الانفاق على زيادة كميات المياه النظيفة للنازحين وشفط المياه الآسنة، الى تخفيض تكلفتهما. وعليه غرقت مخيمات النازحين بالمجارير وقلّت المياه الصالحة للاستخدام، وهذه جريمة إنسانية كان يمكن أن تؤدي لو استمرت الى تفشي الـ»كوليرا».

 

لم يتبدل واقع المخيمات الموجودة مباشرة على نهر الليطاني وروافده كثيراً منذ سنة 2018، ومن هنا يعتبر علوية «أن توجه المنظمات بعد ظهوره للعودة الى مرحلة ما قبل ظهوره، من خلال إعادة رفع كميات شفط المياه الآسنة وتأمين المياه النظيفة بالكميات السابقة ليس تدبيراً كافياً»ويؤكد أن «الازمة متفاقمة على اللبنانيين والسوريين معاً، ولا يمكن تخطي المشكلة الا بإصلاح نظرة الهيئات الأممية لواقع قطاعي المياه والصرف الصحي في لبنان، وتحديداً في مخيمات اللاجئين السوريين».

 

فهل تأخذ المنظمات بهذا الرأي، خصوصاً في ظل ما تظهره حتى الآن من ممانعة حول عودة هؤلاء الى بلادهم مجدداً؟