رصدت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني 4 نقاط على الحوض الأعلى لمجرى النهر، ظهرت فيها مؤشّرات إيجابية حول التلوث بجرثومة الـ»كوليرا»، وذلك بعد أخذها عيّنات من مياه النهر في 10 نقاط، توزّعت بين قضاءي زحلة والبقاع الغربي. أخذ العيّنات تمّ من قبل فنيّي المصلحة في بداية كانون الأول، وفقاً لما أوردته المصلحة من معلومات، حيث باشرت حملتها في رصد تفشّي الوباء في الحوض الأعلى للّيطاني، بدعم من مشروع ترشيد المياه والصرف الصحّي التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بعدما زوّد المشروع الفنيين أيضاً بالمعدّات اللازمة. فأخذت العيّنات من النقاط المحدّدة، وتمّ تحليلها في مختبر المصلحة في خربة قنافار، وسط تأكيدات من قبلها أنه يعتمد التقنيات العلمية الحديثة.
وبنتيجة التحليل تبيّن التلوّث بجرثومة الـ»كوليرا» في 4 نقاط مختلفة من مجرى النهر على الشكل التالي:
نهر الليطاني- جسر الدلهمية: حيث تسبق هذه النقطة محطة تكرير الفرزل، مؤسسة صناعية، مسالخ ومزارع وثلاثة مخيّمات للاجئين السوريين.
مجرى نبع شتورا والذي ذكر التقرير أنّه يشكّل مصبّاً للصرف الصحي من بلدات جديتا وشتورا وجلالا، ومستشفيات شتورا.
نهر البردوني- جسر المرج: والذي ذكر التقرير أنه تحوّل مصبّاً للصرف الصحّي الناتج عن مخيّم للاجئين السوريين.
أمّا النقطة الرابعة فهي في نهر الليطاني- المرج: وذكر التقرير أنّها نقطة ملاصقة لمنزل رئيس بلدية البلدة.
تقرير المصلحة الذي تحدّث عن نتائج سلبية وردتها من عيّنات المياه التي أُخذت من نقاط 6 أخرى جرى إختيارها على مجرى النهر، أشار في المقابل إلى أنّ هذه النتائج قد لا تكون نهائية، خصوصاً «أنّ العيّنات أُخذت في وقت محدّد، وبالتالي إعادة الفحوصات مجدّداً قد تظهر الجرثومة في أمكنة أخرى نتيجة لانسياب المياه في مجراها الطبيعي».
وبدا واضحاً في المقابل من خلال توجيه المصلحة كتباً إلى المسؤولين الرسميين حول خطورة الوضع الذي وصل اليه الواقع البيئي في النهر، محاولة تحميل جزء كبير من المسؤولية إلى عشوائية مخيّمات النازحين التي نشأت على مجرى هذا النهر، حيث طالبت في مقدّمة هذه الكتب الموجّهة بصفة «عاجل» إلى مجلس الوزراء ووزارات البيئة، الصحة والداخلية، بـ»ضرورة إتخاذ الإجراءات العاجلة في ما يختصّ ببدء تفشّي الـ»كوليرا» في مخيّمات النازحين السوريين في البقاع، وتجاه انتشار جرثومة الوباء على طول مجرى النهر لاعتبار أنّها «باتت تشكّل تهديداً صحّياً لسكّان الحوض الأعلى».
ولم تغفل المصلحة في المقابل شكواها المزمنة من تحويل مجارير هذه المنطقة من دون معالجة بشكل عام مباشرة إلى النهر. ولكنّ تقريرها إعتبر «أنّ مخيّمات النازحين السوريين تفاقم الخطر المتأتّي عن الـ»كوليرا»، كونها شهدت بدء تفشّي الجرثومة». وقد استند التقرير في ذلك إلى تحذيرات منظمة الصحة العالمية «من تشكيل مخيّمات المشرّدين داخلياً، أو اللاجئين، إحدى أهمّ المناطق المعرّضة لخطر تفشي الـ»كوليرا».
وقد ضمّنت المصلحة هذه التحذيرات في كتاب توجهّت به أيضاً إلى النيابة العامة التمييزية، «لكونها غير واثقة من أنّ الوزارات المعنية ستتّخذ الإجراءات الإحترازية المطلوبة لاحتواء المشكلة» على ما ذكرت مصادرها. وبالتالي أرادت أن تتأكّد من «تحمّل كل جهة مسؤوليتها» على ما صرّح مدير عام المصلحة سامي علوية لـ»نداء الوطن».
ولكن إلى أيّ حدّ تثق المصلحة بالفحوصات التي أجرتها لتعلن نتائجها، وماذا عن الهلع الذي تثيره مثل هذه المعلومات في صفوف المواطنين، أو عن تداعياتها الإقتصادية على بعض القطاعات الإنتاجية؟ وكيف يمكن معالجة هذه المشكلة في النهر، في ظل غياب البنية التحتية التي تسمح بمعالجة المياه الآسنة وتكريرها قبل السماح بتدفّقها في مجرى النهر؟
يجيب علوية عن تساؤلات «نداء الوطن»، موضحاً أنّه «من واجبات المصلحة أن تعلن هذه النتائج، لأنّه ربّما على مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة والوزارات المختصّة أخذ عيّنات جديدة لتقييم الواقع من خلالها. خصوصاً أنّ هناك خطورة لانتقال هذه الجرثومة الى بحيرة القرعون. أو أن تروى بها المزروعات، وتشرب منها الماشية». ويتمنّى في المقابل «أن تأتي نتائج التقييم الإضافي لنوعية مياه النهر بعكس النتائج التي أظهرتها مختبرات المصلحة» قائلاً: «في النتيجة نبحث عن مشكل بالناقص وليس بالزائد».
وبرأي علوية «الموضوع، وإن كان لا يستوجب الهلع، فهو يستوجب الحذر، وبالتالي هو لا يحتمل أن يتمّ إخفاؤه، وعلى أحدهم أن يتحمّل المسؤولية. من جهتنا نقوم بواجباتنا، وضميرنا لا يسمح أن نخفي المعلومات التي لدينا».
وأكّد أنّ «الأهم من معالجة نتائج التلوّث حالياً هو البحث في التدابير الإحترازية التي يجب أن تتّخذ، لأنّه برأينا إذا لم يطوّق الموضوع سيتّجه إلى احتمالات سيّئة، وليس من صلاحيات مصلحة الليطاني تحديد هذه التدابير الإحترازية المطلوبة لاحتواء التفشّي».
من هنا يحمّل علوية المسؤولية للجهات صاحبة الصلاحية سواء على المدى العاجل أم المتوسط والمدى الطويل، مشيراً «إلى أنّ ظهور الـ»كوليرا» في الليطاني ليس مستغرباً نتيجة لواقعه الحالي، لأنّ هذه الجرثومة تجد غذاءها في المياه الآسنة، ولكنّ الخطورة حالياً هي في انتقالها الى البشر، وتفشّي العدوى في ما بينهم».