قبل ثلاثة أشهر من انتهاء التمديد لعقدَي الشركتين المُشغلتين لقطاع الخلوي في لبنان، أُطيح المدير العام، رئيس مجلس إدارة «ألفا»، مروان الحايك. فجأة، وجد الرجل نفسه من دون غطاء سياسي ولا إداري، مع تحميله وحيداً مسؤولية الفساد في الشركة. الضغوط السياسية أدّت إلى تجميد إقالة الحايك، من دون أن يعني ذلك عودته إلى «مُربّع الأمان»
من مصدر «مجهول»، تلقّى أمس الكثير من اللبنانيين، على هواتفهم، معلومات عن استقالة جميع أعضاء مجلس إدارة شركة «ألفا»، لتجنّب حضور اجتماع لجنة الاتصالات النيابية الأسبوع المقبل، «التي كان من المتوقع أن يُفجّر فيها النائب حسين الحاج حسن مفاجآت من العيار الثقيل، تؤدي إلى توقيف أعضاء مجلس الإدارة عقب انتهاء الجلسة». ردّت الشركة في بيانٍ مؤكدة استمرارها بتأدية المهمات الموكلة إليها، واصفةً المعلومات بـ«شائعات معروفة الغايات». العبارة الأخيرة هي لُبّ بيان الشركة التي تُديرها «أوراسكوم» المصرية، فالخبر الذي انتشر أمس لم يأتِ من عدم.
منذ الـ2010، يشغل المهندس مروان الحايك منصب المدير العام ورئيس مجلس إدارة شركة «ألفا». نهاية الأسبوع الماضي، أُقيل الحايك من منصبه بـ«انقلابٍ» خطّط له وزير الاتصالات محمد شقير، بالتعاون مع أحد رجال الأعمال المقربين منه. الأداة التنفيذية لقرار إقالة المهندس الشاب، كانت رئيس مجلس إدارة شركة «أوراسكوم تيلكوم القابضة»، رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، بصفته المسؤول الأعلى عن الحايك. في العلن، اقتصرت وظيفة شقير على توقيع طلب ساويرس تبديل مدير في شركته. قرارٌ تداخلت فيه العوامل السياسية والمالية وصراع الصلاحيات. فإقالة الحايك ترافقت مع بثّ أخبار بين المعنيين في «الاتصالات» بأنّه يتحمّل مسؤولية ارتفاع نسبة مصاريف «ألفا» مقابل تدني الإيرادات، ووجود تنفيعات سياسية وتضارب مصالح في تلزيمات تركيب المحطات لشركة QTS التي يعمل فيها شقيق أحد المديرين في «ألفا»، وتربطها علاقة عمل مع زوجة الحايك. كذلك جرت محاولات للصق جرائم جنائية به، تحديداً ما يتعلق ببيع بطاقات «تشريج» في السوق السوداء. اتهامات لو صحّت لكان يُفترض بالحايك أن يكون في السجن لا في حلبة النزاعات السياسية، وتردّ عليها مصادر في «ألفا» بأنّها «تلفيقات ولا تمت إلى الحقيقة بصلة».
من أجل إسباغ صدقية على تلك الاتهامات، تقرّر أيضاً إقالة المدير المالي لـ«ألفا» رفيق الحداد، الذي يشغل في الوقت عينه منصب منسق اللجنة المركزية للمال في التيار الوطني الحرّ، فكانت تلك «الهفوة» التي فرملت العملية. منصب الحداد الحزبي، شكّل له حصانة في وجه قرار شقير – ساويرس. فرئيس «التيار»، الوزير جبران باسيل، اعترض على «المسّ» بالحداد، وضغط من أجل إيقاف القرار. النتيجة كانت «استفادة الحايك من الحماية السياسية للحداد، فسحب شقير توقيعه عن إقالة المدير العام».
تسلسل الأحداث يدفع إلى طرح عدد من الأسئلة: هل الهدف من تبديل الحايك تصفية حسابات سياسية/ إدارية، أم إحداث فجوة للبدء بإصلاح قطاع الاتصالات؟ إذا كان مسؤولاً عن هدر أموال «ألفا»، أي الأموال التي يدفعها الشعب اللبناني للخزينة العامة، فلماذا تقرّرت إقالته عوض إخضاعه لتحقيق؟ إذا كانت تدور شُبهات فساد حول الحايك، فلماذا سحب الوزير توقيعه تحت ضغوط سياسية؟ لماذا استباق نتائج لجنة التحقيق البرلمانية ولجنة الاتصالات النيابية، والتصويب حصراً على مجلس إدارة «ألفا»، فيما ليس وضع «تاتش» أفضل حالاً من «ألفا»؟ ولماذا التغاضي عن أمر أساسي، وهو أنّه منذ تولي الوزير نقولا الصحناوي وزارة الاتصالات، حُصرت قرارات النفقات التشغيلية والاستثمارية بأيدي الوزراء؟
اعترض الحايك على طلب شقير إدخال «هواوي» إلى «ألفا»
كان يُمكن أن تمرّ إقالة الحايك بطريقة «طبيعية»، تماماً كما بدّلت «تاتش» ثلاثة مديرين بين 2014 و2017، أو كتدبير عقابي ربما بعد اكتشاف الشركة الأم خللاً إدارياً في عمل أحد موظفيها، خاصة بعد فتح لجنة الاتصالات النيابية ملفّ «الخلوي». إلا أنّ الدافع الرئيسي وراء إقالة الحايك، بحسب مصادر سياسية وإدارية عدّة في «الاتصالات»، إبعاده عن المنظومة المُسيطرة على القطاع. فالمدير العام لـ«ألفا»، وتحديداً في السنة الأخيرة، «لم يكن مطواعاً في تنفيذ قرارات ومشاريع أرادتها وزارة الاتصالات، كتلزيم خدمات القيمة المُضافة. أما المشكلة الأهم، فهي اعتراضه على طلب الوزارة تلزيم أعمال في «ألفا» لشركة «هواوي»، لأنّ البنية التحتية لديه قامت بها «نوكيا» و«إريكسون»، ولاقتناعه بعدم جواز منح السيطرة الكاملة في هذا المجال لشركة واحدة («هواوي» تستحوذ على غالبية البنية التقنية في «تاتش»)»، بحسب مصادر في «ألفا».
لماذا الإقالة قبل ثلاثة أشهر من انتهاء التمديد لعقدَي الشركتين المُشغلتين لقطاع الخلوي، وبتّ نتائج المناقصة الجديدة؟ لا تستبعد المصادر السياسية والإدارية في «الاتصالات»، أن تكون إقالة الحايك «مؤشراً على الاتجاه إلى إلغاء المناقصة وتمديد عقدَي «أوراسكوم» («ألفا») و«زين» («تاتش») سنة على الأقل. لذلك، لا يعتبر فريق الوزارة أنّ من مصلحته أن يبقى الحايك في منصبه». كيف أُقنع ساويرس بذلك؟ «أولاً، من خلال زعزعة ثقته بالحايك عبر فتح ملفات هدر في الشركة، وثانياً عبر عقد اتفاق معه لم تتضح تفاصيله بعد».
الحديث عن اعتراض الحايك تنفيذ طلبات مُحدّدة لوزارة الاتصالات، لا يعني أنّه كان قائد فرقة مكافحة الفساد في القطاع. فهو مقابل هذه «الممانعة»، يؤخذ عليه انخراطه في اللعبة الداخلية التي حوّلت شركتَي الاتصالات إلى مصدر للتنفيعات السياسية. فعقدُ التشغيل الذي حصر النفقات التشغيلية والرأسمالية بيد وزراء الاتصالات، وحوّل أموال الخلوي إلى دخل لا يخضع لأي قانون ولا لرقابة عامة، شكّل حجة مثالية لمُشغلي شبكتَي الهاتف: يوافقون على إرادة الوزراء تنظيم عقود الرعاية والإعلانات والهبات، وعلى إغراق الشركتين بالموظفين، وغيرها من الأمور، وحين تجري مساءلتهم يحتمون بتنفيذهم قرارات وزارية.
حاولت «الأخبار» الاتصال بشقير، من دون أن يُجيب. داخل أروقة وزارة الاتصالات تأكيدات بوجود «ملف دسم يُدين الحايك»، رغم ذلك هناك نفي أن يكون شقير مسؤولاً عن إقالته، بل رميٌ للكرة في ملعب ساويرس. مصير الحايك في «ألفا» مُعلّق. كان يُفترض أن يُعقد الثلاثاء اجتماع في الوزارة لحسم الأمر، ولكنه تأجل. وقبل أن يُجمّد شقير قرار إقالة الحايك، كان البحث عن البديل قد انطلق. رست القرعة على المهندس هشام سبليني، نائب رئيس قطاع التكنولوجيا في شركة «أورانج» – مصر، والرئيس السابق لدائرة التقنية والتكنولوجيا في شركة «الوطنية للاتصالات» الكويتية، وعمل سابقاً في «أوراسكوم». ثمة معلومات عن أنّه استقال من «أورانج»، ويرغب في العمل بلبنان، إلا أنّ دربه لن تكون مُيسرة. فبُحكم التوزيعات الطائفية/السياسية للمناصب العامة، «لن يكون سهلاً تعيين سبليني (لكونه شيعياً، ورغم عدم وجود أي انتماء سياسي له، إلا أن التيار الوطني الحر وضعه سريعاً في خانة حركة أمل) رئيساً لمجلس إدارة «ألفا»، لأن ذلك سيجعل الشركتين («ألفا» و«تاتش») من لون سياسي واحد، بوجود علاقة مميزة بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي والرئيس التنفيذي لـ«مجموعة زين» بدر الخرافي.