بريح تحتفل بالعودة الثانية.. وكفرحيم يئست من الأحزاب
الشوف: صراع على الإرث الشمعوني في دير القمر
من يعش بين تلك الجبال الخضراء والوديان المتمايلة، يعرف أن ترشحه إلى أي انتخابات بلدية لا بد أن يكون عنوانه المحافظة على ذلك الجمال النادر. ولذلك، يصعب إيجاد برنامج انتخابي للوائح المتنافسة في قرى الشوف وبلداته، لا يتضمن مشاريع تساهم في المحافظة على الوجه المشرق لـ «الجبل»، كما يحلو لأبنائه توصيفه. وهي مشاريع لا تبدو شكلية أو ثانوية، بل هي في صلب اهتمامات الشوفيين اليومية، تماماً كاهتمامهم بالسياسة.
الانتخابات تجري في عقر دار النائب وليد جنبلاط، لكنه مع ذلك فضّل البقاء خارج لبنان في اليوم الانتخابي المخصص لجبل لبنان. يقول لـ «السفير» إنه سعى، قبل أن يغادر، إلى إرساء بعض التوافقات، فنجح في بعضها ولم يوفق في أخرى، ويبقى على أهالي القرى أن يخوضوا معركة ديموقراطية يختارون فيها من يرونه مناسباً (عاد مساء أمس).
البعض يرى أن عزوف جنبلاط عن إدارة المعركة شخصياً يعود إلى أسباب عدة، أولها أن هذه الانتخابات تشكل الاختبار الأول لإبنه تيمور ويفضل أن يترك الساحة له، وثانياً لأنه لم يشعر منذ صارت الانتخابات أمراً واقعاً أنها تستأهل الدخول في معارك كسر عظم، طالما أن الطابع العائلي هو الغالب، وطالما أن معظم اللوائح المتنافسة لا تشهر العداء للحزب، بل على العكس تتنافس لإظهار ارتباط أعضائها به.
الوزير وئام وهاب مرتاح لأجواء الانتخابات. يجلس في «القصر» في الجاهلية، واثقاً من النقلة النوعية التي حققها حزبه بين انتخابات ٢٠١٠ والانتخابات الحالية. مرشحو «حزب التوحيد» حاضرون في الكثير من القرى الشوفية، لكنه مع ذلك لم يشأ القيام بجولة انتخابية في المنطقة، مكتفياً بالنزول والتصويت إلى اللائحة التي دعمها في قريته والتي يثق أنها رابحة سلفاً في وجه لائحة «الحزب الاشتراكي» و «الحزب القومي».
نموذج الجاهلية لا يمكن تعميمه. ففي أكثر من قرية، جمعت اللوائح الانتخابية «الاشتراكي» و «التوحيد» معاً، تحت عنوان الانتخابات العائلية التي طبعت الشوف بطابعها، مع استثناءات طفيفة.
دير القمر
في المشهد الشوفي، تخطف دير القمر، اضواء التنافس المسيحي – المسيحي مع غياب التأثير الجنبلاطي فعلياً حيث فضل «الاشتراكيون» الذين قد لا يتجاوزون الـ 150-200 مناصراً، البقاء على الحياد. هنا، في عاصمة الأمراء بدا التشطيب سيد المعركة، حيث المعركة السياسية الأشد وضوحاً في القضاء.
«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في اختبار جديد للتفاهم بينهما، حتى لو كان المنافس هو حلفاء الأمس: النائب دوري شمعون وناجي البستاني. والأخيران صارا حلفاء بعد ٤٠ عاماً من الافتراق السياسي. وهو ما حاول النائب جورج عدوان، إبن البلدة، التركيز عليه لشق صفوف التحالف الداعم للائحة «القرار لدير القمر»، مذكراً بالخيارات المتباعدة بين البستاني وبين التراث الشمعوني الذي تحافظ عليه لائحة «دير القمر بلدتي».
وتركيز عدوان على الإضاءة على العودة إلى شجرة عائلة بعض المرشحين للتأكيد على علاقاتهم العائلية المتجذرة مع الشمعونية تعود إلى الجو الذي ساد البلدة، والغضب من محاولة إلغاء دوري شمعون. وبالرغم من أن عدوان حاول مراراً التأكيد أن التحالف ليس موجهاً ضد حليفه السابق شمعون إلا أن ذلك لم يكن مقنعاً لمن رفع لافتات تدعو إلى عدم السماح باغتيال داني شمعون مرة ثانية.
بريح «الدرة»
درة الانتخابات تدعى بريح. تلك القرية النائمة في الوادي بين كفرنبرخ ونبع الصفا، عاشت أمس يوماً احتفالياً. رئيسا اللائحتين كانا جنباً إلى جنب في باحة المركز الانتخابي. طانيوس سعد لحود (لأجل بريح) وصبحي سعد لحود (العيش المشترك) همهما واحد: استكمال المصالحة التي عقدت في العام ٢٠١٤ بين الدروز والمسيحيين، من خلال انتخابات ديمواقراطية تؤكد على الوحدة بين أبناء البلدة، المصرين على المناصفة في المجلس البلدي.
ولأن المسيحيين في معظمهم ينتخبون بلدياً للمرة الأولى، فقد تأخر فتح الصناديق إلى حين تعرف الناخبون والمندوبون على آلية الانتخاب بين صندوقي البلدية والمخترة، لكن بعد ذلك سرعان ما اصطف الناخبون بطوابير طويلة امام الأقلام من دون ملل أو تأفف. كثر منهم صار لديهم منازل في القرية أو في طور بناء منازلهم، ولذلك يبدو طبيعياً انتشار ورش البناء في كل مكان.
كان كثر يتعرفون إلى بلدتهم للمرة الأولى. يقول عاصم، المقيم في البلدة، إنه سعيد بالأجواء. إنه عيد ثان لبريح بعد عيدها الأول يوم المصالحة في العام ٢٠١٤.
كفرحيم «للتغيير»
المعركة في كفرحيم تذكّر بمعركة بيروت. في بوابة الشوف رفض لمنطق التسوية الفوقية التي تسقط على أبناء القرية. كل الأحزاب الحاضرة في القرية، لا سيما منها: «الاشتراكي»، «القومي»، «التوحيد العربي» و«الديموقراطي»، التقت في لائحة يرأسها القومي نسيب أبو ضرغم، فكان الرد عليها بلائحة «شباب كفرحيم»، التي يرأسها حمّاد أبو ضرغم، تحت عنوان رفض مصادرة قرار البلدة من قبل قيادات الأحزاب. والتمرد هنا يبدو حرفياً. نصير أبو خزام «اشتراكي» الانتماء، على سبيل المثال، لكنه في هذه المعركة قرر المواجهة، لأنه وجد في ذلك مصلحة الضيعة، بعدما صار مقتنعاً أن التركيبات التقليدية لم تعد تُجْدِ نفعاً.
يقول هشام أبو خزام، وهو ناشط مع «شباب كفرحيم»، إن لائحتهم قدمت برناماجاً متكاملاً، وهو ما يحصل للمرة الأولى في تاريخ البلدة، التي ادت الخلافات والصراعات التقليدية فيها إلى حل كل المجالس البلدية التي انتخبت منذ العام ١٩٩٨ وحتى اليوم (البلدية منحلة منذ سنتين). لذلك، يضيف، لم يعد بالإمكان الانتظار لكي تحل البلدية مجدداً، فكانت «شباب كفرحيم» التعبير الصادق عن رغبتنا في التغيير.
صباح أمس، أوعز وهاب لمناصريه بالكف عن توزيع الأصوات بين اللائحتين، داعياً إلى انتخاب «شباب كفرحيم» كما هي. وإذا كان «التوحيد» يعتبر أن هذا التطور طرأ بعد إعلان رئيس اللائحة المقابلة أنه مدعوم من «الاشتراكي» و «القومي» و «الديمواقراطي» حصراً، فإن نسيب أبو ضرغم يحمل رواية أخرى. يختصر الموقف بالقول، إن «التوحيد غاب عن إعلان لائحة التوافق وله مرشحان على اللائحة المقابلة هما ليديا أبو ضرغم وطارق أبو خزام»، وبالتالي فإن قراره العزوف عن دعم لائحته لم يكن جديداً. أما بشأن أمين طي، المرشح عن «التوحيد» في لائحته، فيقول إنه أعلن «انشقاقه».
كل ذلك جعل المعركة حامية في كفرحيم، وللدليل على ذلك أن أقلام اقتراع البلدية سجلت تصويت ١٥٠ مقترعاً ولم تكن الساعة قد تجاوزت الثامنة.