IMLebanon

أنتَ تصعد إلى السماء ونحنُ نذهب إلى جهنّم

 

يا حاملَ الآلامِ عنْ هذا الورَى كَثُرتْ علينا باسمكَ الآلامُ

– أحمد شوقي

 

كثُرتْ علينا الآلامُ باسمك…

وكثُرت علينا الآلامُ مثلَك…

أنتَ افتدَيْتَ بدَمِك خطايا العالم فصعدتَ إلى السماء بإرادة أبيك الذي في السماوات…

ونحن افتدَيْنـا بدَمِنا الحكمَ فذهبنا إلى جهنّم بإرادة أبينا الذي في الأرض.

لعلّ أقرب الناس إليك، هُم الذين يسيرون على درب الآلام إلى الجلجلة… نحن أيضاً نعيش عهد هيرودس وبيلاطس ويهوذا والصيارفة والفرّيسيين ومغارة اللصوص…

 

وعندنا بـرَصٌ ومخلَّعٌ وأخرسُ وأعرجُ وأعمى…

وعندنا.. كفَـرةٌ وزانية وأرواحٌ شريرة ومجانين مسكونين بالشياطين.

الحاكم أمبراطور روماني، والقاضي متّهم، والجندي لصٌ، والمؤمن شريرٌ، والمجرم بـريءٌ ، والكاهن خاطيء، والعاقل مجنون.. ومهدُ المولود نعشٌ، وسيف القانون دم.

والبيلاطسيّون، ما زالوا يحكمون علينا بالموت، ويغسلون أيديهم بدماء الصدّيقين ، كأنما الدماء كانت هي الماء.

أنتَ… يا مَـنْ آثـرْتَ أنْ تُجلدَ وتُصلَب وتموت من أجلهم على الأرض، ما زالوا يطالبون بموتك وأنتَ في السماء.

 

أنتَ الذي أقمْـتَ “ليعازر” من الموت هل تساءَلتَ أيـن كـان “ليعازر”حين كنتَ مسمَّراً على الصليب ، وحين شيَّعوك إلى القبر…؟

وهل سألت توما ، لماذا لا يؤْمِـنُ إلاّ إذا وضـع إصبعه في الجرح…؟

وهل سألت سمعان الذي شفيـتَهُ من البرَص ، لماذا ظـلَّ يشكّك بنبوَّتك…؟

 

هذا كان منذ عشرين قرناً ويزيد.. فماذا إذاً اليوم، وقد اختفى ظلّك وظـلّ الله على الأرض، وأصبح الإنسان إلـهَ الإنسان، وبلغت البشرية أقصى فُحشَها التاريخي المتوحش، كأنما يقتضي أن تُستَبدلَ ببشرية ثانية.

 

في مجيئك الأول، أتيتَ لتخلّص أورشليم من بنيـها، وقد رأيتَ أهلها يتقاسمون الأهوال والفقر والجوع ، والأمهات يأكلْنَ لحم أولادهنَّ بعد الموت، ورأيت الآباء والأبناء يتخاطفون آخر كسرةٍ من الخبز…

أليست هي الأسباب نفسها التي تحتّم مجيئك الثاني وقد أبلَغْتنا أنتَ علامات هذا المجيء حين قلت: “تسمعون بحروب وبأخبار حروب ستقوم أمّـةٌ على أمّـة ، ومملكةٌ على مملكة وتكون أوبئة ومجاعات وزلازل في أماكن شتَّى”(1) “… ومتى رأيتم هذه الأشياء فاعلموا أنّ نجاتكم تقترب”(2) .

ولكن… هل ستكون أنت مـرةً ثانية ذبيحاً يبارك الجزار…؟

وهل سنظلّ نحن كما أوصيتنا : نبارك الذين يلعنوننا ونصلّي من أجل من يضطهدنا…

 

 

عفوك أيها السيّد.

عندما صوّرك الفيلسوف الإلماني الملحد “نيتشه”:

 

“بأنك رجلٌ ضعيف متمسكن يخدع المساكين والضعفاء ويلوِّح لهم بسعاده دعاها الملكوت السماوي…” تصدّى له جبران خليل جبران: “ما عاش المسيح مسكيناً ولا خائفاً بل عاش ثائراً وصُلب متمرداً ومات جباراً وكان عاصفة هوجاء تقوّض العروش المرفوعة فوق الجماجم وتهدم القصور المتعالية فوق القبور”(3).

عفوك أيها الثائر:

ألستَ أنت القائل: “لا تظنّـوا أني جئتُ لأُلقي سلاماً على الأرض ما جئتُ لألقي سلاماً بل سيفاً”(4) …؟

أيّـاً كان التفسير المجازي لمعنى السيف، على أنّك رغبـتَهُ لحماية تلاميذك من مخاطر الوحوش البرّية وهم يبشرون في أقاصي الأرض.

“ومَـنْ ليس له فليَـبِعْ ثوبَـهُ ويشتـرِ سيفاً”(5).

نعم … إنْ شئتَ أنْ تقرّر مجيئك الثاني فاحمل سيفك لا دمَـك، لأنَ دمك امتصّه الوحوش في مجيئك الأول ولم يهتدوا.

 

والمسيح المخلّص… “يجرح ويغضب ويضرب ويـداه الشافيتان”(6)…

وأنت، إنْ تحمل السيف، فسيفك صليبٌ يُحيْـي ولا يقتل.